يبدو أن الأفلام الرومنسية والأغاني الممزوجة بكلمات الحُب المُتدفق قد صنعت عقدة بل وأزمة في الوعي الجمعي للأمة .. فأصبح الجميع ينتظر أن يجمعه القدر بنصفه الآخر ليعيش معه ذلك الحُب الملائكي الخالي من التعثرات والمشاكل والأزمات ..
وقد حالفني الحظ لأن أكون الإنسانة المقربة من صديقاتي أثناء فترة خطوبتهم.. وقد أضحى لدي وعي مختلف تماماً بعد أن عاصرت تجاربهن وعايشت تخبطاتهن ومشاكلهن وتعثراتهن في تلك الفترة وحتى السنة الأولى من الزواج ..
وقد حالفني الحظ لأن أكون الإنسانة المقربة من صديقاتي أثناء فترة خطوبتهم.. وقد أضحى لدي وعي مختلف تماماً بعد أن عاصرت تجاربهن وعايشت تخبطاتهن ومشاكلهن وتعثراتهن في تلك الفترة وحتى السنة الأولى من الزواج ..
قالت لي إحدى صديقاتي يوماً : آلاء النظرة المثالية للخطوبة كادت أن تدمرني ! كنت أقول لماذا يحدث معي هذا مع أن البشر كلهم حولي يتنعمون بالرومنسية المطلقة ! حتى أنني بت أشكك باختياري !
ثم اكتشفت أن حكمي واهي .. فأنا قد حكمت على التجارب حولي من جراء صور الفيس بوك .. والاستماع إلى القصص التي يتفنن الناس في البوح بها في العادة عن السعادة الغامرة .. (ومن المعروف أن مجتمعنا لا يبوح إلا بما هو جميل أما التعثرات فتبقى داخل البيوت محصنة) ..
الشراكة وخاصة شراكة الارتباط تعني (الاندماج) بشكل كبير جداً .. وأنت هنا تتحدث عن شخصين من عالمين مختلفين .. من جنسين مختلفين .. من بيتين مختلفيتن .. يحملان تصورات ومفاهيم وأفكار مختلفة عن الحياة .. ناهيك عن اختلاف الشخصيات والأذواق والتعبير عن الحزن والفرح بينهما .. ناهيك عن اختلاف الطبائع بحكم الجنس فالأنثى تختلف بالكثير من الخصال عن الرجل والثقافة في مجتمعنا عن هذا (معدومة) ..
فالطبيعي .. لكل ذي عقل أن اندماج هذين الشخصين لن يكون بالشيء السهل .. والصحي أن يحدث هناك هزات واعية وعقلانية تكشف لكل شخص أسارير الشخص الآخر .. ليكبر الحب ويقوى ويرتكز على أسس متينة وقوية !
وكلما كان نضج الشريكين أكبر .. كلما كان عليهما أن يضعا نصب أعينهم بأن هزاتهما ستكون بحجم وعيهم .. وبحجم أحلامهم .. وبحجم البيت الذي يطمحان بتعميره وبنائه ..
الحُب فعل تراكمي .. يبدأ بالإعجاب والانبهار (وهذا ما سلط الإعلام كل الأضواء عليه وأغفل كل المراحل الأخرى وهذا ما سبب عقدة كبيرة عند الكثيرين) ثم تبدأ مرحلة الاكشتاف فيبدأ الطرفين برؤية مشاكل وعيوب بعضهم البعض .. ثم مرحلة التعايش وهي الأكثر كمالاً ونضجاً .. عندما نعرف مشاكل الآخر ونستيطع تفهمها واحتوائها ..
وهنا ميزات فترة الخطبة لمعرفة هل نستطيع الاستمرار لنصل إلى التعايش أم لا؟
ذلك الحُب الذي تعرضه الأفلام والمسلسلات والأغاني هو (قمة) ما يحدث من مشاعر ولكنه لا يعبر عن الديمومة .. حتى جسم الإنسان يفرز في مرحلة الإعجاب والانبهار هرمونات مختلفة عن التي يفرزها في فترة العلاقات الطويلة (الزواج)..
الحب ليس مثالي ويتعرض إى هزات بحكم الحياة ..
حتى الرسول -عليه السلام- تعرض مع حبيبته عائشة إلى حادثة الإفك !! و تعرض مع حبيبته خديجة لحياة مديدة فيها أطفال و أزمات و زلزلات مثل بداية رسالة جديدة ثم موت أبنائه الذكور و مع هذا ظل الحب على رقيه و خلوده..
أستاذة بثينة الإبراهيم -التي جالستها شخصياً- والتي يرى فيها الكثير من الشباب وفي دكتور طارق سويدان النموذج الرائع للعلاقة لولا رجاحة عقليهما وتغلبهما على الكثير من الظروف لما استطاعا الوصول إلى هذا النموذج الراقي..
كما أن صديقاتي ممن ارتبطن بمن يعادلونهم بالفكر والمنطق والتصورات واجهوا الكثير الكثير من التعثرات ..
وأنا أنظر اليوم إلى (اليمثاق الغليظ) الذي وضعه الله سبحانه وتعالى بنظرة الحامد الشاكر لهذا العدل وهذه الرحمة وهذا الجمال المطلق .. فالله قد وضع بين الشريكين ميثاقاً غليظاً يعيدهما من جديد كلما ابتعدا .. واسماه بالغليظ ليبقى محتوياً لكل التعثرات البشرية التي ستكون بلا شك بين أي اثنين مهما بلغ الحب بينهما ..
لذلك نرى بأن المخطوبين أو المتزوجين أقدر على حل مشاكلهم والصعود والرقي بأنفسهم ومحاولة ترميم أي ثغرة تنجم بينهما من الأشخاص الذين لا يربطهم أي ميثاق والذين يرون بالخروج من العلاقة سهولة أكبر ! ..
ونعم، الآن أنا أؤمن بأن المحافظة على الاستمراية أصعب من إيجاد الشريك نفسه .. وأنهم قلة أولئك الذين يحافظون على حبهم ويجعلونه ينمو بعقلانية متناهية ..
نعم، الآن أؤمن بأن التعثرات قد تكون دليل (نضج) ولا تستدعي كل هذا الهلع ..
نعم مشروع الزواج كأي مشروع و(حلم) ناجح يستدعي الكثير من الجهد ليكتمل ويزهر ويثمر ..
آلاء سامي
15-12-2013
0 التعليقات:
إرسال تعليق