بريق شمس

معظم الناس ينظرون إلى الأشياء التي تحدث ويقولون لماذا ؟ أما أنا فأنظر إلى الأشياء التي لم تحدث بعد وأقول لما لا

دلائل النهضة الأربعة -مبشرات بالأمل القادم .


تدوينة نهضوية تقرأ في (10) دقائق تقريباً

الكثير من الشباب يسأل هل من الممكن حقاً أن تحدث نهضة ويتغير حالنا !! أمعقول مع كل هذه المشاكل التي تلتف حولنا كأفعى سامة من فساد اقتصادي وسياسي واجتماعي أن يحدث نهضة ونخرج من إطار العالم الثالث الذي ذقنا من خلاله ويلات الذل والقهر والحرمان؟!


المشهد الحالي للأمة :

يصور حالتي اليأس والخمول اللتين تسودان المجتمعات الإسلامية وستسمع الكثير من العبارات والمقولات التي تشير إلى هذا اليأس القاتل مثل : " ما الفائدة ! ما الذي يمكن عمله ؟ " , " لقد سبقنا الآخرون بمراحل كبيرة ! " , " العالم يتقدم ونحن نتأخر ! " , " أنظر إلى أوضاعنا وأحوالنا ؟!! " وتستطيع أن تلمح في ثنايا هذه العبارات وفي صوت قائلها هذا اليأس !!




في البداية ما تعريفنا للنهضة ؟

النهضة  : نشاط عقلي فكري في المقام الأول , يحدث في مجتمع من المجتمعات , يقود إلى الانطلاق في مجالات العمل في كل مناحي الحياة , واكتشاف آفاقها ,في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم التطبيقية وغير ذلك . هذا الحراك المستمر النشط الذي يفتح أبواباً جديدة ويعيد اكتشاف العالم مرة أخرى و يوفر مساحات جديدة للنظر في الحياة يطلق عليه النهضة .




كلنا نريد النهضة ... كلنا نتوق لها ولكن هل من الممكن ذلك وما هي الدلائل التي نستطيع ان نستدل بها على حقيقة إمكانية حدوث النهضة ؟

ويمثل اليأس سجناً معنوياً وعقلياً كبيراً للشعوب والمجتمعات وحتى نتمكن من تحرير عقول وقلوب مجتمعاتنا من هذا السجن الكبير فلا بد من هدم جدرانه الأربعة التي تطبق علينا. وسنستخدم لذلك أربعة معاول :

المعول الأول :

هو علم الاجتماع , ويوضح لنا هذا العلم قضية هامة مفادها :

" أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس , وأحلام اليوم هي حقائق الغد"




تحت ظرف معين وفي بيئة معينة , يسود قالب فكري معين عن شيء ما . هذا القول والشعور -القالب الفكري -يفرض نفسه على الفرد من خلال ذيوعه وانتشاره وقوة الإكراهات التي تصحبه.فلو كان شعور المجتمع هو قدرته على التقدم وتفوقه على الآخرين , فستسود فكرة " الممكن " ويكتسبها الإنسان , بينما حين يكون شعور المجتمع هو العجز واليأس فستسود فكرة " المستحيل  " ويكتسبها الإنسان. لكن الخبرة البشرية تفيد أن المجتمعات حين تتحرك وتتبع  القلة المبدعة سرعان ما يتحول المستحيل ممكناً ... وهكذا .





وهذا مثال يوضح ما سبق:




إن علم الاجتماع يدلنا على ظاهرة اجتماعية متكررة , ففي لحظة معينة وتحت ضغط واقع ما , يعتقد الناس في عدم إمكانية الفعل , وفي لحظة تاريخية أخرى يصبح عكس هذا التفكير جنوناً.

فأحلامنا في النهضة والتقدم والتحول والتغير ستكون حقيقة بإذن الله فأحلام الأمس هي حقائق اليوم , وأحلام اليوم هي حقائق الغد.


المعول الثاني :

هو علم التاريخ , وهو العلم الثاني المنوط به هدم الجدار الثاني المحيط بفكرة اليائسين, ولا نحتاج لهدم هذا الجدار أن ندرس التاريخ كله , ولكن يكفينا منه ظاهرة واحدة , وهي الظاهرة التي أطلقنا عليها اسم :

" قانون المعطيات الصفرية "





وحتى نفهم هذا القانون أو هذه الظاهرة علينا استعراض الأسئلة التالية :

1-ما هي أوضاع الجزيرة العربية يوم أن نزل الوحي والتي انطلقت منها الدعوة الإسلامية ؟
2-ما هي أوضاع فرنسا قبل الثورة والتي انطلقت منها نحو ثورتها ثم نحو فرنسا المعاصرة ؟
3-ما هي أوضاع اليابان والتي انطلقت منها لنهضتها المعاصرة ؟
4-ما هي أوضاع الصين التي انطلقت منها الثورة الماوية ؟


" إن الحديث عن المعطيات التي أتيحت لرواد النهضة , والحالة المعنوية السائدة في المجتمع والتي ورثوها تعطي مؤشراً حقيقياً لكل الرواد بأن كل النهضات إنما انطلقت من حالة تخلف ومعطيات لا نقول صعبة , بل صفرية !! .


سنأخذ بعض الأمثلة :


التجربة النبوية والمعطيات الصفرية :




* لو قدرنا ما يحتاجه الرسول عليه السلام من كثافة بشرية كمية , وكثافة بشرية نوعية . ثم لو فكرنا في الكثافة الكمية التي يحتاجها لاختراق بلاد مثل الصين وبلاد فارس ومملكة الروم سنجد أن الأمر لا يعدو كونه حلماً غير قابل للتنفيذ!! .


* حتى لو توافرت الكثافة الكمية المناسبة فهل يمتلك القيادة النوعية المعدة والجاهزة والقادرة والمهيأة للقيام بهذا الدور الكبير ؟


*حتى لو افترضنا توفر هذين العنصرين في مكة في تلك اللحظة - وهو ما لم يحدث - فكيف استقبل أهل مكة بل أقرب الأقربين إلى الرسول عليه السلام هذه الفكرة ؟ وكم كانت درجة مقاومة المحيط !!



* ثم إذا افترضنا أن هذه المنطقة من العالم - التي تتألف من قبائل بدوية رعوية , تنتقل من مكان إلى آخر , لا يسلم فيها بيت من حالة ثأر , تقتتل لعشرات السنين حول ناقة او سباق خيل , يقوم اقتصادها على السلب والنهب والغارات والغزو , غير مدربة على العمل المنظم الكبير - إذا افترضنا أن قد تم استيعابها داخل المشروع النهضوي الإسلامي فما هي قدراتها على مواجهة الإمبراطوريتين العظيمتين الروم والفرس !!


*ثم هذه المنطقة التي تم استيعابها ما هي قدراتها العلمية والمعرفية التي تؤهلها لإدارة عملية الإحياء الحضاري للمجتمعات التي سيقومون بغزوها ؟؟ فمن السهل أن تغزو أمة وأن تنصر عليها عسكرياً , أما أن تنتصر عليها حضارياً فهذا شأن آخر. وإليك نموزج التتار المنتصرين , ما الذي خلفوه وراءهم !!

مشهد من فلم الرسالة للمخرج السوري مصطفى العقاد. اضغط هنا .

لقد كانت المعطيات المتاحة للمصطفى عليه الصلاة والسلام في هذه اللحظة التاريخية معطيات صفرية ولم تكن مبشرة بتلك النتائج التي تحققت بعد 40 سنة من الفعل الحضاري للمسلمين.



فإذا كانت تجربة الرسول مؤيدة بالوحي من السماء فلننظر في غيرها من التجارب التاريخية لغير المسلمين , والذين قامو من أجل إصلاح مجتمعاتهم , ولم يكن لعامل الدين أي دور في تحركاتهم .

التجربة اليابانية  :


دولة مثل اليابان كيف كانت أوضاعها عقب الحرب العالمية الثانية والتي انتهت باستسلامها وإذلالها ؟ كيف كانت احوالها بعد أن أمطرت بقنبلتين نوويتين قتلت وجرحت وشوهت وشردت وهجرت الملايين ؟ ثم أين هي اليابان الآن ؟


اترككم مع برنامج خواطر (5) للشاب أحمد الشقيري الذي عرض من خلالهما التجربة اليابانية التي تستحق كل احترام ...




هيروشيما-1


هيروشيما-2



التجربة الصينية والمعطيات الصفرية :


إذا استعرضنا أوضاع الصين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين , سنجد أمامنا دولة شاسعة مترامية الأطراف تعاني من التالي :


1-الكثافة السكانية الهائلية حيث بلغ عدد سكانها تسعمائة مليون نسمة في ذلك الوقت معظمهم من الفلاحين.


2-على المستوى الصحي : كانت تعاني من المجاعات والأمراض المتوطنة كمرض الرمد الحبيبي وترتفع بين سكانها نسبة العمى ارتفاعاً مخيفاً , هذا بالإضافة إلى مائة مليون مدمن .


3-أما على المستوى الثقافي : فقد كانت تعاني من الجهل والتخلف التكنولوجي وانبهار الطبقة المثقفة بالغرب وثقافته.


4-على المستوى الاقتصادي : عانت الصين من القيود الاقتصادية  الشديدة الوطأة الناتجة عن المعاهدات غير المتكافئة مع الغرب , بالإضافة إلى تخريب اليابان للاقتصاد الصيني .


5-أما على المستوى الاجتماعي : فقد كان نسيجها الاجتماعي مهترئاً ومهدداً بالتفكك, والصراع في داخلها على أشده نتيجة تعدد العرقيات.


6-أما على المستوى السياسي : فعلى الصعيد الداخلي كانت تعاني من الصراع الداخلي بين العرقيات المتنازعة التي تريد الاستقلال وترفض التوحد وتعادي الدولة المركزية , بينما على الصعيد الخارجي احتلت بريطانيا أجزاءً من الصين لتصبح مستعمرات بريطانية - كمستعمرة هونج كونغ - ثم يشن عليها الغرب حرب الأفيون في عام 1840 م , لينتج عنها 100 مليون مدمن . وفي عام 1860 م يحرق الإنجليز والفرنسيون قصر الصيف . ثم تحتل اليايان الصين عام 1895 م , وبعدها تغزو منشوريا !!

فأين هي الصين اليوم ؟ وما هو موقعها الدولي ؟ وكم نسبة النمو في الصين اليوم ؟ وكيف ينظر العالم إلى مستقبل الصين ؟



سور الصين العظيم



سور الصين العظيم


" إن قانون المعطيات الصفرية هو مدخل كبير للتبشير بالامل ونشر ثقافة " إمكانية الفعل " في المجتمعات الإسلامية في هذه المرحلة التاريخية الهامة "



دلائل النهضة الأربعة - الجزء الثاني - اضغط هنا .


مرجع المعلومات : كتاب النهضة من الصحوة إلى اليقظة \ من سلسلة  أدوات القادة للدكتور جاسم سلطان .

11 التعليقات:

عُمر عاصي 21 أغسطس 2010 في 10:27 ص  

هي فعلاً دسمة ورائعة :)

آلاء سامي 21 أغسطس 2010 في 11:17 ص  



شكراً جزيلاً أخي عمر ... يشرفني مروركم:)
بارك الله بأمثالك

هبة شحادة 22 أغسطس 2010 في 3:25 ص  

ما شاء الله عليكي أختي ألاء كلي فخر بمعرفتي بك :) إلى الأمام و كثر الله من أمثالك و أدام عطاءك و بارك في جهودك

غير معرف 22 أغسطس 2010 في 4:50 ص  

السلام عليكم..

بارك الله بكِ أختي الكريمة على هذا المقال الواضح والجيّد.. لكن عندي بعض الملاحظات:

1) لم تتحدثي عن السنن الربانية وقراءة الواقع بحسبها حتى نرى دلائل النهضة.

2) هل نهضة الأمة الإسلامية المطلوبة هي كنهضة اليابان أو الدول الغربية الناهضة؟ أي هل نحقق نهضتنا بمجرد تطورنا علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا؟

3) بالنسبة للنهضة الإسلامية الأولى أجد أنّك لم تعطي معايير النهضة حينها حقها، ولم تتحدثي عن العناصر التي تواجدت حتى حصلت النهضة.

على كل، مقالك في موضوع مقالي الأخير على "مدونة أضواء" على هذا العنوان فانظريه إن شئتِ هنا:
www.sharefmg.wordpress.com

أحب أن أبدي إعجابي باهتمامك بموضوع النهضة وكيف تكون وما هي دلائلها، لأنه موضوع حريّ أن يهتم به المسلمون.

دمتِ برعاية الله..
شريف محمد جابر

هبة العواملة 23 أغسطس 2010 في 7:06 ص  

أدهشني هذا حقاً...

القانون الصفري ... عجبني كتير
فعلاً فعلاً تدووووينة روعة روعه

سلمت يداكِ ... وننتظر الجزء الثاني بشوووق :))

معلومات تحتاج منا الوقوف عندها .... والتفكر في حالنا...

ولنبدأ من الصفر وننطلق :)

أشكرك

أحمد درويش 23 أغسطس 2010 في 11:41 م  

جميل ورائع ، اطلع الدكتور جاسم عليها ويوصلك السلام
الصور جميلة ومعبرة ،، بوركت والى الأمام دوما :)

آلاء سامي 24 أغسطس 2010 في 1:57 م  



صديقتي الغالية هبة شحادة أنا التي لي كل الشرف ... كل الاحترام والتقدير لأمثالك أيتها الرائعة :)

صديقتي هبة علي أشكرك على التشجيع الجميل جداً :) ... لا لن نبدأ من الصفر سنبدأ من قاعدة قمتم أنتم ببناءها يا شباب وبنات النهضة :) بوجودكم لن نبدا من الصفر ... تحياتي القلبية

آلاء سامي 24 أغسطس 2010 في 2:04 م  



أخي شريف سررت جداً لنقاشك الراقي وشكراً جزيلاً على التشجيع.

كان كل هدفي أخي من التدوينة إضاءة نور من التفاؤل في قلب الأمة وذكر فقط الأدلة الأربعة التي تم اثباتها بشكل منطقي وعلمي وتاريخي على إمكانية حصول نهضة في أي مجتمع من المجتمعات إن هو أصر على ذلك ...

ولم أقصد في هذه التدوينة سوى إيصال هذه الرسالة كخطوة مبدئية لغرس بذرة الأمل في روح الأمة ...

أما النقاط التي تحدثت عنها فبإذن الله سأكتب عنها واتطرق لها في تدوينات لاحقة.

أتمنى متابعة الجزء الثاني من التدوينة

http://barekshams.blogspot.com/2010/08/blog-post_23.html

بالنسبة لتدوينتك قمت بالإطلاع عليها وقراءتها تستحق القراءة وبها معاني رائعة جداً ...

بوركت جهودك وأتمنى أن أقرأ ملاحظاتك دائماً

كل الاحترام

آلاء سامي 24 أغسطس 2010 في 2:07 م  



أخي أحمد كم سررت بهذه الرسالة وكم أضافت لي المزيد والمزيد من التشجيع

كل الاحترام والتقدير لدكتور جاسم ولمشروع النهضة ...

بوركت جهودكم وشكراً جزيلاً على الاهتمام

تحياتي لدكتور جاسم
ودمتم بتألق

كنترول 26 أغسطس 2010 في 3:22 م  

عزيزتي آلاء
أهنئك على هذا الشرح الوافي للمفاهيم المبدئية لمشروع النهضة ,والتي تعتمد عليها أي أمة تقرر تجاوز واقعها الأليم إلى واقعٍ أفضل...

فالأمل ينبت في النفوس بمجرد أن نسلّط عليه الضوء ونغذيه بالتفاؤل والعلم الصحيح..

استمري والله يرعاك

أختك علا باوزير

آلاء سامي 28 أغسطس 2010 في 7:01 ص  

شكراً جزيلاً أختي المميزة علا ... مرورك من هنا أسعدني كثيراً

تحياتي لك :)

إبحث في بريق شمس



Leave the world a little better than you found , take no more than you need , try not to harm life or environment...

مدونة بريق شمس. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
  • التاريخ خارطة البشرية التي تثرثر كثيراً عن أولئك الذين صنعوه ... ولا يمكن أن نتجاهل أبداً تلك الوجوه التي نحتت على الصخر صورها بينما كان البقية يتأملون وجوههم على صفحة الماء ! .. علا باوزير


    التدوين : هو أن تنظر إلى حدث عادي بنظرة غير عادية فتصنع منه حدثاً غير عادياً

    قال تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
  • مدونة لكل شباب النهضة ... لكل الشباب الذين قرروا أن يكونوا متميزين بدينهم وعلمهم وإبداعاتهم
    كل التحية والاحترام لكم
    آلاء سامي

حياتي كلها مهر لأمتي

حياتي كلها مهر لأمتي

إهداء من الصديقة نادية درويش

إهداء من الصديقة نادية درويش
:) من على متن الكتاب .. ومن أمام الشمس

يقظة فكر - معانقة الفكر مع الفن -

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع
نرى ما لا يراه الآخرون

إعلام ينبض شباباً

إعلام ينبض شباباً
شارك لننقل الإعلام نقلة جديدة تمثلنا

أكاديمية إعداد القادة ... خطوة للأمام

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود
كلمات هذا الرجل تدهشني

! قلمي يكتب هنا أيضاً

! قلمي يكتب هنا أيضاً
.أول مجلة تكنولوجية تصدر بالعربية في فلسطين

Facebook مدونتي على موقع ال


المتابعون

... إقرأ أيضاً

..بقلم

صورتي
اللهم إجعلني من مُجددات الأمة ... اللهم واجعل كلماتي تصل إلى الآفاق ~

عدد المشاهدات

أرشيف المدونة