تدوينة نهضوية تقرأ في (5) دقائق تقريباً .
كنا قد تحدثنا في التدوينة السابقة عن أول معولين لهدم جدران اليأس التي تحيط بأمتنا الغالية وقد ذكرنا من الأربع معاول كل من علم الاجتماع وعلم التاريخ .
أما اليوم سنتحدث عن معولين آخرين فتابعوا يا أصدقاء :
المعول الثالث :
وهو المنطق , والمنطق هو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في التفكير, فهو عموماً محاولة للبحث عن قواعد عامة للتفكير الصحيح . والمنطق هو الأداة التي يتم بها هدم الجدار الثالث من جدران اليأس . فالمنطق يخبرنا بأن من استعد للعمل والبذل ونشط فيهما وأخلص نيته لله عز وجل - استجابة لقوله تعالى " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين " فهو فائز , فلو انقضت حياته قبل أن تحين فرصة تحقيق الآمال و فلا شك أن سيكون من الفائزين برضوان الله في الآخرة , وأنه عندما يقف بين يدين الله سبحانه وتعالى سيشعر بإذن الله بالرضا عن نفسه وبأنه حاول على قدر استطاعته , ثم إنه قد استمتع بحياته لأنه عاش لقضية ما وجاهد في سبيلها .
أما إذا حانت الفرصة وتحققت الآمال , فقد فاز بالفرحتين : فرحة النصر والتمكين في الدنيا " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " وفرحة الفوز برضوان الله في الآخرة لبذله وإخلاصه .
فالمنطق يقول إن العمل في كل الأحوال هو سفينة الخلاص . وهو سفينة نوح . سفينة النجاة .
المعول الرابع :
وهو المبشرات , ونقصد به ما بشرنا به ربنا جل في علاه , ونبينا صلى الله عليه وسلم من آيات وأحاديث تبشر هذه الأمة بالغلبة والنصر والتمكين.
ومن هذه المبشرات الحوار الذي يستعرضه القرآن الكريم بين فرعون وملئه وموسى ومن معه قال تعالى :
( وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ( 127 ) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ( 128 ) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ). الأعراف.
ومن المبشرات قوله تعالى :
{ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (8) هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون(9) } .الصف.
وقوله تعالى : " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. وإن جندنا لهم الغالبون" . الصافات.
وقوله :" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)".النور.
قال تعالى : (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)(الروم 47) .
وكتاب الله مليء بمثل هذه المبشرات التي تبعث الأمل بالنفوس .
ومن المبشرات في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار " , وقوله " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها , وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها "
وغيرها الكثير من الأحاديث التي تبشر الأمة بالنهضة والتقدم.
إن امتلاك قادة النهضة هذه المعاول الأربعة " الاجتماع , التاريخ , المنطق والمبشرات " يمكنهم من هدم جدران اليأس المحيطة بالفرد المسلم اليوم. والخروج من دائرة اليأس هي الخطوة الأولى نحو الخروج من هذا الواقع.
المشهد المستقبلي :
إنه مشهد ترى فيه ظاهرة اليأس وقد اختفت من مجتمعاتنا أو كادت . وترى جموع العاملين وقد فطنت لى معاول وأدوات هدم اليأس. فانطلقت بين جماهير الأمة تزرع في قلوبها الأمل وتنتزع اليأس انتزاعاً من صدور طالما أثخنها اليأس بالجراح :) .
ليتحقق هذا المشهد الرائع فلا بد من تنفيذ الأمور التالية :
1- لا بد ان يعمل المفكرون والمصلحون على نشر ثقافة الأمل بين جماهير الامة من خلال الإسهاب في الكتابة عن دلالات النهضة الأربع وشرحها .
2-لا بد من إعادة عرض التجربة النبوية والتركيز على إمكانية الفعل رغم المعطيات الصفرية .
3-لا بد من الاهتمام بعرض تجارب الأمم التي نهضت والتركيز على إمكانية الفعل رم المعطيات الصفرية.
4-لا بد من الاهتمام بعرض تجارب المخترعين وكيف استطاعوا أن يصلوا إلى ما كان يظنه الناس جنوناً.
5-لا بد من تعزيز الجانب الروحي وتجديد الإيمان بموعود الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم للأمة بالنصر والغلبة والتمكين .
مرجع المعلومات : كتاب النهضة من الصحوة إلى اليقظة \ من سلسلة أدوات القادة للدكتور جاسم سلطان .
10 التعليقات:
هكذا اكتمل موضوع النهضة ومبشرات النهضة :))
الاء في داخلنا صوت إما أن نخمده ونتركه ينام كباقي الشعب ..
أو أن نستغله ونوقظه ....
النهضة كلمة كبيرة ...
وكان الاسلام هو النهضة ..
ساضيف أهم وأهم مبشرات النهضة
العودة إلى الدين وبتفاصيله ...
:)
أنتِ رائعة عزيزتي ....
السلام عليكم..
أختي الكريمة.. بورك لكِ جهدك المبذول في هذه التدوينة.. وقد أعجبتني بعض النقاط كالاهتمام بالسيرة النبوية وكذلك بث الأمل في النفوس والمبشرات القرآنية والنبوية للنصر..
لكن أختي الكريمة.. لا بد أن أكون موضوعيًّا في النقد وتلك مسؤوليتي بما أني قررتُ التواجد في خانة التعليق هذه.
بالنسبة لمعول المنطق، أقترح أن تسميه "التفكير السليم"، لأن المنطق ليس بالضرورة دومًا أن يكون سليمًا، هنالك فرق بين المنطق وبين التفكير السليم. المنطق يقول مثلا: أمريكا بلد غني - أمريكًا بلد ناهض. فيضع المنطق فرضية تقول: كل بلد غني، هو بلد ناهض. والواقع عكس ذلك، فقطر بلد غني ولكنها غير ناهضة مثلا، وقيسي على غيرها. والمنطق يضع فرضية أخرى تقول: كل بلد في تكنولوجيا وعلماء وانفتاح اقتصادي فهو بلد ناهض، فيضع فرضية تقول: إن وجود التكنولوجيا والعلماء والانفتاح الاقتصادي يحقق النهضة. ولكن ذلك غير صحيح دلالة حوالي ال100 عام يلهث من خلالها المسلمون لامتلاك هذه الأمور ولازالو في موضع التبعية الذليلة للغرب.
لكن التفكير السليم يقتضي البحث عن "عوامل" النهضة، والانتباه إلى أنها ليست نفسها عوامل نهضة الغرب، وذلك بعد استقراء السنن الربانية الخاصة بهذه الأمة والانتباه إلى أنها تختلف عن السنن الربانية الخاصة بالكفار (الغرب). انظري مثلا سنة تمكين ونهضة الغرب حيث يقول تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليكم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون". انظري للتعبير "أبواب كل شيء"، كل التطور والتقدم في كل المجالات! ولكن هذه سنة الإملاء، أي أنه سيدمر عليهم سبحانه وتعالى في فترة من الفترات، وبالنسبة للمسلمين فالسنة في الآية 55 من سورة النور، والتماس تحقيقها بجدية وبذل جهد واقعي ضخم هو الكفيل بتحقيق النهضة، وليس التماس تحقيق "مظاهر" النهضة التي عند الغرب.
هذا الذي يقتضيه التفكير السليم الموضوعي.
ملاحظة أخرى.. أرجو أن تتقبليها برحابة صدر: هنالك مشكلة في المقال وهي عدم وضع الأصابع على مواضع الجروح بشكل واقعي واضح، أي هو بمثابة عموميات، لكن يفتقد إلى إمكانية العمل بمقتضاه، وهي سمة عامة رأيتها في كتب الدكتور جاسم سلطان، وقد نبه إلى ذلك بعض الفضلاء، فأسلوبه في بعض الأحيان معقد ضبابي يفتقد إلى أسلوب الطرح اليسير الواضع الواقعي، نحتاج بكل صراحة إلى طرح ميسر واضه يضع إصبعه على أمراض الأمة وعوامل نهضتها بشكل واضح، مع ارتباط هذا الطرح بالقرآن الكريم والسنة النبوية، لأنهما أول ما نتوجه إليهما حين الحديث عن النهضة. ولكن يبدو أن توجه الدكتور في البحث عن "النهضة المدنية" هو الذي يجعله متأثّرًا لهذه الدرجة بمعطيات النهضة الأوروبية بمستويات كثيرة.
أرجو أن تتقبلي ملاحظاتي بصدر رحب.. أخيرًا أنصحك بكتاب رائع أتمنى لو تقرأيه، هو كتاب "دراسة في السيرة" للدكتور عماد الدين خليل. ابحثي عنه في المكاتب واقرأيه، فهو شديد اللصوق بموضوع النهضة، بل يكاد يكون منطلق التفكير بها!
إذا أتيح لكِ إطلاع الدكتور جاسم على هذه الملاحظات سيكون أمرًا جيّدًا..
دمتِ بخير..
شريف محمد جابر - عكا
www.sharefmg.wordpress.com
السلام عليكم
أخي شريف شكرا على تعليقك في البداية... وبارك الله بك
ولكنني أخي نوهت في تعليقي السابق لك -في التدوينة الأولى -أنني بهذه التدوينة فقط أردت أن أرسل رسالة وهي بث الأمل في نفس الأمة خلاصتها بأننا نستطيع عمل نهضة لأن الحقائق التاريخية والمبشرات .. الخ تثبت ذلك , ولم أشأ أن أدخل في التفاصيل ولا أن أدخل بشكل تفصيلي بالطرق التي تؤدي إلى إحداث النهضة ...
كانت رسالتي واضحة وهي دلائل النهضة الأربعة التي يثبتها علم الاجتماع والتاريخ والمنطق والمبشرات ... ولم يكن هدفي التطرق إلى دورنا نحن كأفراد أو إلى قوانين النهضة الاسلامية التي تؤدي إلى نهضة ...
وبإذن الله سأتطرق لهذا كله في تدوينات لاحقة ..
ثم أخي من قال بأن التطور الاقتصادي والاجتماعي فحسب كفيل بإحداث نهضة الآيات واضحة " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض "... الغرب حقق نهضة حسب مبادئه وركائزه.
ومن المعروف أخي بأننا نحتاج فقط إلى 2% -الكتلة الحرجو كما يسمونها- لإحداث نهضة ... ولا أظن بان من يريد ان يحدث نهضة في مجتمعنا الإسلامي هم كفار أو يهود أو نصارى ... الشباب النهضوي واضحه مبادئه وتوجهاته ... فالناتج بالتأكيد لن تكون نهضة كنهضة الغرب .. بل سيكون بإذن الله تطور على جميع الأصعدة هذا التطور مصدره قاعدة دينية قوية ... وهذا ما سنتحدث عنه في تدوينات لاحقة بإذن الله.
بالنسبة لعلم المنطق لو انتبهت أخي فقد ذكر تعريفه :
-والمنطق هو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في التفكير, فهو عموماً محاولة للبحث عن قواعد عامة للتفكير الصحيح-
التفكير الصحيح = التفكير السليم
وقد كان المقصود بالمنطق هنا أن من يدرس ينجح ... ومن يزرع يحصد ... ومن يعمل يجد ثمرة جهوده..
أي المنطق أن أي أمة تعمل لأجل نهضة بلادها حسب مبادئها واهدافها ستحصد هذه الثمرة في النهاية بتوفيق من الله
إن الله لا يغير ما بقوم (حتى) يغيروا ما بأنفسهم.
(هنالك مشكلة في المقال وهي عدم وضع الأصابع على مواضع الجروح بشكل واقعي واضح) ...
أخي أكرر مرة أخرى :) ليس بإمكاني بمقال واحد ان أذكر كل ذلك وقد ذكرت هدفي من المقال وادعو أن يوفقني الله لاتطرق لكل هذه المواضيع في تدوينات لاحقة.
اما بالنسبة لأسلوب د.جاسم فهذه بالنهاية أخي وجهة نظر...
بالنسبة لي قرأت كتاب النهضة من الصحوة إلى اليقظة وانا الان اقرا في المسار التاريخي للأمة وقد استفدت كثيرا وقد ذكر د. جاسم بان هذه السلسلة المكونة من 5 كتب هدفها بناء قاعدة تاريخية وتعريفية بمسار النهضات التي حدثت عبر التاريخ وليست هي النهاية هي مجرد مقدمة.
واعطني أخي فرصة لأقرأ المزيد كي أكون رأي الخاص بالنهاية عن أسلوب د. جاسم بارك الله به وجزاه عنا كل خير
بالنسبة للكتاب ان شاء الله سأطلع عليه
بوركت أخي وشكراً على النقاش
هبة غاليتي نعم " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ..."
أي ان العودة للدين هو شيء أساسي لا اختلاف عليه وهو مبعث نورنا وتفوقنا :)
شكراً لك على كلماتك الجميلة
دمتي بخير
بارك الله بكِ أختي الكريمة..
لعلي سبقت الأحداث كوني تعرفت على مجمل تيار النهضة الذي يسير به الدكتور جاسم سلطان وزملاؤه.. أعتذر إن أسأت للمقال..
لكن أكرر.. مجرد تفكيرك بهذا الموضوع يبهرني.. أي إننا نجد الشباب اليوم مشغول بالتفاهات.. ولا شيء غير التفاهات!
وانشغالك بالكتابة والقراءة حول الموضوع أمر يجب أن يغبطك عليه الكثير من شباب الأمة (إناثًا وذكورًا). أن يحذو حذوك.. لكن النقطة التي دائمًا ما أحاول بثّها عند جميع الإخوة هي أننا لا نقف عند تيار عرفناه، أي أن لا نقف عند أطروحته ونحاول أن نطّلع على شتى أطروحات إسلامية مختلفة تنشد النهضة والرفعة والتمكين للأمة.. حتى نكون - بعد إخلاص النية وجدية البحث - نظرة تقنعنا حول العمل النهضوي الأكثر جدوى.. فقد أمرنا بالإخلاص.. وأمرنا بإعمال العقول.. شخصيًّا أقرأ كل ما يجدّ على الساحة وتيار الدكتور جاسم ليس بالقديم وأنا أتابعه بنهم.. وأتابع غيره.. وآخذ من كلٍّ ما ينفع وما هو خير.
بالنسبة لجملتك هذه: "ومن المعروف أخي بأننا نحتاج فقط إلى 2% -الكتلة الحرجو كما يسمونها- لإحداث نهضة".
لو أنّك أوضحتِ لنا كيف عُرفَ ذلك، فقد سمعتها كثيرًا قبل ذلك، فما هو دليل ذلك؟
شريف محمد جابر
مش عارفة شو بدي اقول غيير انه بجد اشي بيرفع الراس
الله يحفظكم يااااااااااارب
اختك
rAghAd
*ـ*
السلام عليكم
شكراً أخي شريف على رقي نقاشك ...
وأشكرك أيضاً على التشجيع :) وأشاركك بالرأي بالنسبة لعدم تبني وجهة نظر واحدة بل قراءة وسماع كل ما يطرح على الساحة لنكون قاعدة معرفية نهضوية ننطلق بها لنعيد نهضة بلادنا من جديد وانا معك بأنني لا أتبنى فكر واحد بل استمع لكل ما هو موجود.
بالنسبة للكتلة الحرجة او ل 2% وقد ذكر أيضاً ال 1% , أنا سمعتها لأول مرة من الدكتور طارق سويدان ووقفت عندها كثيراً بصراحة.
http://barekshams.blogspot.com/2010/07/blog-post.html
وسأتكلم من وجهة نظري وأتمنى أن أستمع لوجهة نظرك...
عدت لتجربة الرسول عليه الصلاة والسلام.
هل عندما طرح على قومه فكرة الإسلام ايده الجميع ؟ هل آمنت معه كل مكة واقتنعت بفكرته بل خلال 13 عام آمن برسالته 80 شخص هم من اقتنعوا بهذه الفكرة وضحوا من أجلها بأروحاهم وأنفسهم والتجارب كثيرة...
وعندما ذهب إلى المدينة لم يؤيده كل من في المدينة بل أيد الفكرة عدد من الناس .. تبنوها بكل معنى الكلمة وضحوا من أجلها ولو قورن عددهم بعدد سكان العالم في ذلك الحين فكم سيكون عددهم وكم ستكون نسبة من آمن بهذه الفكرة ؟ ... ثم بدأ باقي الناس يتعرفون على فكرة الإسلام ويدخلون في هذا الدين العظيم بالتدريج.
كذلك النهضات التي قامت بالغرب والشخصيات المؤثرة التي كانت تخرج أمثال غاندي وحيفارا وغيرهم هل أيدهم بالفكرة كل الناس وقتها ؟
شيء طبيعي لا ولكن النسبة التي ايدتهم كانت كفيلة بأن تكون نقطة بداية ليتبعها بعد ذلك الاف الناس ممن اعجبتهم الفكرة .
ومما عمق لدي الفكرة أكثر أحد الكورسات التي أخذتها بالجامعة التي تتحدث عن مهارات الاتصال والتواصل والتي كانت تتحدث عن "الفكرة المستحدثة" ونعني بالفكرة المستحدثة -أية أفكار أو سلوك أو شيء جديد نظراً لاختلافه كيفيا ونوعيا عن الأفكار أو السلوك أو الاشياء المتواجدة بالفعل -
وقد تم تقسيم الجمهور حسب درجة تقبله للأفكار المستحدثة كالتالي :
1-المبتكرون : وهم الأشخاص الذين يكون لديهم رغبة شديدة في أن يجربوا أفكار جديدة ويجب أن يتحلوا ببعض الصفات ليكونوا من هذه الفئة.
2-المتبنون الأوائل أو الطليعة المبكرة: هم جزء أساسي من التنظيم الاجتماعي المحلي, ولذلك فهم يفوقون المبتكرين باعتيارهم من المحليين الملتزمين لحدود منطقتهم, بعكس المبتكرين المنفتحين على العالم الخارجي, ويتميز أفراد هذه الفئة بأكبر درجة من درجات الريادة الفكرية المحلية,وهم الأفراد المرجعيين في المجتمع المحلي , ونموذجاً يقتدى به من قبل الأفراد الآخرين في التنظيم الاجتماعي , وينظر إليهم نظرة احترام وتقدير باعتبارهم يمثلون الأفكار الجديدة ويرمزون إلى المزايا التي تعود على المتبنين لها.
3-الغالبية المتقدمة أو الغالبية المبكرة: هي الفئة التي يؤمن أفرادها بانهم لا يجب أن يكونوا اول من يلقي بالقديم جانباً ولا اول من يقوم بتجربة الجديد والفترة التي يقضونها قبل التبني تعتبر أطول نسبياً من الفئتين السابقتين.
4-الغالبية المتأخرة: أفراد هذه الفئة يتبنون الأفكار المستحدثة ولكن بعد أن تكون أوساط الناس من بيئتهم قد فرغوا فعلاً من الأمر , ولا يقومون بعملية التبني إلا بعد ان يتحققوا من ان غالبية كبيرة من اقرانهم فعلت هذا الشيء.
5-المتلكئون: هم آخر من يتبنى الفكرة المستحدثة , و هم اكثر الفئات التزاماً لحدود واقعهم الضيق, والكثير منهم يعيشون في عزلة تكاد ان تكون تامة, نقاط الارتكاز في تفكيرهم تستمد من الماضي فقط, وعندما يتبنى المتلكئون في النهاية إحدى الأفكار المستحدثة تكون قد تركت مكانها عند المبتكرين لها وحلت محلها فكرة جديدة اخرى !!
من هنا كم ستكون نسبة المبتكرين والمتبنون الأوائل؟ لن يكونوا هم الغالبية بطبيعة الحال بل ستكون نسبتهم قليلة وتبدأ بعد ذلك أفكارهم بالانتشار والتوسع.
هذا هو رأي بالموضوع
تحياتي أخي
رغد عزيزتي ... شكراً جزيلاً على التشجيع :)
دمتي مبدعة
بوركت جهودك، دمت مبدعة :)
أحمد درويش
أعتذر أختي الكريمة آلاء عن التأخير في الرد..
بالنسبة لفكرة "النخبة" واستلهامها من سيرة الرسول فهي ليست دقيقة بالشكل اللازم حسب ما أرى..
صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان من اتبعه في البداية قلة بالنسبة لعدد الكفار في مكة على الأقل..
وصحيح أن الذين بايعون من الأنصار كانوا كذلك قلة بالنسبة لمدينتهم..
كل ذلك صحيح.. ولكن دعينا نركز على أمرين في غاية من الأهمية:
1) أن الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة لم يكونوا مجرد "معجبين بالفكرة" أو حتى مجرد "مقتنعين".. إنما كانوا مؤمنين بها إيمانًا يجعلهم يتنازلون عن كل شيء في الحياة بل حتى عن أهلهم في سبيل الله! كانوا يعانون من الضيق الشديد والعذاب المرير ومع ذلك صمدوا واتبعوا الرسول حتى النصر.. والسؤال هنا ما الذي جعلهم كذلك؟ هل مجرد الاقتناع بفكرة ما يؤدي لذلك؟ كلا.. إنها التربية أختي الكريمة.. التربية النبوية القرآنية التي رسخت الإيمان في قلوبهم وجعلت منهم مصاحف تمشي على الأرض تزعت نفوسها من كل مشاغل الأرض والشهوة والهوى.
2) الأمر الآخر هو أن النهضة لم تحصل بمجرد دخول المهاجرين والأنصار في الإسلام، ولكنك غفلت عن عمل هام قام به صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل الهجرة.. وهو إنشاء "قاعدة جماهيرية" للدعوة.. تؤمن بالإسلام وتتبع الرسول في المنشط والمكره.. كانت "القاعدة الصلبة" متمثلة بالمهاجرين والأنصار.. وكانت "القاعدة الجماهيرية" متمثلة بأهل المدينة ومن حولها من الأعراب.. صحيح أن المجتمع كله لم يكن على الذروة من الإيمان.. لكن كان هناك قاعدة جماهيرية صلبة تستطيع أن تحمل المجتمع الإسلامي كله نحو النصر والتمكين والنهضة! لذلك فنسبة 2% من المقتنعين بالفكرة لا تؤدي إلى نهضة لوحدها.. وإنما هي البداية، ولا يكفي أن يكونوا مقتنعين بالفكرة، بل يجب أن تكون هذه "النخبة" على أعلى مستويات التربية الإيمانية والفكرية الأخلاقية والتضحية حتى يستطيعون توجيه "القاعدة الجماهيرية" التي بها تتحرك الدعوة وتعمل للتمكين.
في الموضوع بالفصيل ومع الاستدلالات أنصحك بكتاب رائع للأستاذ محمد قطب اسمه "كيف ندعو الناس؟" هو كتاب صغير الحجم أتمنى أن تقرأيه فهو شديد اللصوق بالموضوع.
أعتذر عن الإطالة.. بوركتِ..
شريف محمد جابر
إرسال تعليق