(1) ضريبة الأحلام قاسية!
هناك حكمة آلائية لا أتردد بالبوح بها كلما سمحت لي الفرصة .. تقول الحكمة (الناس يرون النجاح عادة .. ولكن لا أحد يعلم ما يحدث وراء الكواليس!).
الأكاديمية كانت حلماً راودني منذ ما يقارب الثلاث سنوات.. أذكر بأن حلقاتها القديمة كانت تبث على قناة الرسالة في وقت متأخر من الليل (كإعادة) .. فإذا جافاني النوم.. قمت لأتابعها.. وأذكر بأنني في إحدى الأمسيات بكيبت كثيراً ودعوت الله أن يجمعني بهؤلاء الشباب يوماً ما...
وبتشجيع من الكثيرين على رأسهم الغالية ميساء أبو هلال وأستاذي الفاضل أيمن .. قمت بالتقديم لها في عام 2011، بعد محاولات كثيرة لإقناع أبي بالسفر، وبعد إقناعه .. جاء الرفض من الأكاديمية نفسها.. بسبب اكتمال عدد الوفد الفلسطيني! ..
جاء عام 2012.. وأعدت المحاولة من جديد .. وقبل (يوم مولدي) بيوم واحد فقط، جاءت الموافقة.. بعد أن عشت على أعصابي لأكثر من شهر.. أذكر بأنني يومها عدت من عملي وأنا أكاد أحلق من الفرح والسعادة..
ولكن هل أنتهت القصة هنا.. للأسف (لا) !
بعد ذلك بما يقارب الشهر ألغيت كل منح الوفد السوداني والفلسطيني بسبب مشاكل عند الداعمين أنفسهم .. وقد كان ذلك اليوم من أقسى الأيام في حياتي ..فأصعب شيء أن ترى حلم من أحلامك يتلاشى أمامك..
لم أفقد الأمل ..كنا ندعو كثيراً أنا والأصدقاء.. وفي تلك الفترة شعرت بانتماء شديد لإخوتي وأخواتي في الأكاديمية والذين وقفوا بجانبنا أجمل وقفة وساندونا معنوياً لأبعد الحدود..
وفي يوم 1-8-2012 جاء الفرج.. وعادت المنح من جديد.. وكنت أتمنى أن ينتهي الأمر هنا.. ولكن طريق الأحلام صعب .. لذلك قلة هم من يكملون المشوار حتى النهاية ..
يوم السفر وقبل دخول الطائرة بلحظات.. انتبهنا على أننا من السرعة أحضرنا جواز سفري القديم بدل الجديد !.. ولسوء الحظ ألغيت رحلة الطيران.. ولولا لطف الله لألغيت رحلة الأكاديمية بالكامل.. ولكن الله سلم في آخر لحظات ووجدت حجزاً جديداً .. ولكم أن تتخيلوا كيف كان شعوري في ذلك اليوم : )
كل هذه السطور الآن.. لم تعد تهمني يا أصدقاء .. فأن تعيش الحلم .. يعني أن تنسى كل الصعاب التي حدثت قبله.. وكيف نعيش بدون أحلام ؟
يعلم الله كم جددت نيتي حتى استحقت روحي تلك المغامرة الجميلة.. وقد كتبت كل هذا.. لأقول لكم:
(طريق الأحلام يحترم فقط من يناضل من أجله.. لا تعتقدوا بأن من يحقق وينجز أهدافه ..قد سار يوماً على طريق مزركش بالورود)..
من يرد الراحة والسلامة .. فهناك طريق أسهل من هذا بكثير .. ولكن بالنهاية مصير ذلك الطريق معروف !
كونوا عظماء .. وإياكم أن تتنازلوا عن أحلامكم..
فكم من الأشخاص استسلموا .. قبل أن يصلوا القمة بدقائق معدودة !
(2) المطار لوحده مدرسة!
سأبدأ القصة من الصفحة القبل الأخيرة :)
صفحة العودة إلى البلاد ..
بحق .. كنت أشعر بتوتر طبيعي.. لأنها كانت التجربة الأولى لي للقيام بإجراءات العودة.. والرحيل من مطار الأراضي التركية إلى مطار اللد ..
ولكن الحياة بالنهاية مغامرة .. هذا ما كنت أقوله لنفسي ..
المطار هو مكان مصغر ترى من خلاله الإنسانية .. على يمينك صيني .. وعلى يسارك أمريكي .. وأمامك يجلس مشرد مع زوجته .. هو يطالع كتاباً وهي تنام بقربه بكل هدوء وطمأنينة .. حاولت أن ألتقط لهما صورة .. ولكني ترددت :) وفي الخلف يقف العشرات بانتظار دورهم لإنهاء المعاملات ..
المشكلة الأساسية عند الشعب التركي عدم اتقانه للإنجليزية .. لذلك ستستخدم لغة الإشارة كثيراً .. وستتورط أحياناً بأن تكتفي بهز رأسك دون أن تفهم شيئاً ..
من أكثر المواقف التي أثارت مشاعري هناك .. قيام أحدهم بحمل حقيبتي الثقيلة ووضعها على ماكنة التفتيش .. بعد أن رأى عدم تمكني من ذلك .. شخص لا ينتمي لديني ولا لبلدي .. ولكن ما جمعني به هو (إنسانيتنا) فقط .. هنا تقول (يا الله) .. فالبشرية هي ما يوحدنا جميعاً ..
وسنة الاختلاف نعمة .. لا يفهمها إلا قلة .. وفي المطار دروس كثيرة ستعلمك تلك المعاني ..
من أجمل ما حدث معي هناك .. أنني التقيت بالعم أبو حميد .. رجل فيه من ملامح وروح والدي .. كنت أقف أمام اللوحة الكبيرة التي تظهر عليها أرقام البوابات التي تقود إلى الطائرة .. والتوتر يعود ليملأ روحي من جديد ..
وفجأة سمعت أحدهم يتحدث العربية .. طبعاً التفت بكل جوارحي .. فهناك العربية ستعني لك الكثير :) .. كان العم أبو حميد .. يسلم على أشخاص بجانبي .. ومن ثم سألني من أين أنت يا ابنتي .. فقلت القدس !!
فجاء الفرج ..
بركتك يا قدس .. :)
هو رجل من نابلس .. خرج منها في ال1967 .. ولم يعد بعدها .. تاجر من تجار الأردن .. ذهب الى الكثير من بلاد العالم .. حدثني عن مدرسة السفر.. عن الصين .. وعن جولاته التي علمته الكثير..
أصر على إحضار العصير والكعك لي .. وقال لي (بس أرجع القدس بتغدى عندكم :) ) ..
كانت روحه جميلة جداً .. حدث والدي من هناك .. وقال له .. آلاء جدعة وعن 10 شباب ..
وأوصلني الطائرة .. بعد حديث عن الدولة المدنية والدولة الدينية ..
وقبل لحظات الإقلاع عدت أتذوق معاني وجمالية الاختلاف من جديد .. ثم تذكرت بأنني لم أقرأ كلمات أخي الدكتور عدنان عوض .. وقد كان آخر من كتب لي من الزملاء على دفتر الأكاديمية ..
كانت الكلمات تقول:
(خلقنا في الكون لتوفير (معنى) لحياتنا .. وما بين الإيجاد (وتحقيق المعنى) رحلة طويلة .. هي معادلة بسيطة آلاء .. بسيطة لمن يعييها.. من يعييها ويدرك ما يترتب على هذا الوعي من قرارات) ..
بقيت أتأمل تلك الكلمات العميقة وأنظر إلى ملامح الناس في المطار .. حتى جاء موعد الدخول إلى الطائرة ..
بصراحة .. السفر بالطائرة لم يرق لي أبداً .. ما عدا لحظات الهبوط :) (أكشن)
قضيت معظم وقتي أغوص في نوم عميق .. وأحلم بكل الذكريات التي عشتها خلال أسبوعين مع أجمل أرواح .. وأروع قلوب ..
ثم جاءت اللحظة التي ضمني بها والدي .. وغسلت نسمات وطني الحبيب تفاصيل روحي..
لتكتب آخر أسطر من ذكريات هذه الرحلة العظيمة ..
(3) رحلتي تلخصت بهم ..
وأجلس مع نفسي لأسألها عن أكثر شيء استفادت منه في هذه المغامرة الجميلة ..
هل هي المحاضرات؟ .. هل هي تجربة السفر بذاتها ؟ هل هي تركيا الرائعة وما تحويه من كنوز؟ هل هي مقابلة الأساتذة الأفاضل أمثال د.طارق سويدان .. وأ.بثينة الابراهيم .. وأ.مثنى الكردستاني .. ود.عصام البشير.. وأ.هاني المنيعي.. والمنشد المميز حمود الخضر؟
فأجد أن كل هذا رائع وجميل.. ولكن بحق كانت الإجابة مختلفة عن كل ما ذكر!!
أكثر ما أثر بي بعمق .. هو جلوسي بين أبناء وبنات أمتي لأسبوعين من الزمان ..
يااااه كم شعرت بالألم الذي سببه وصنعه الاستعمار يا أصدقاء .. كيف حرمنا من بعضنا البعض كل هذه السنين..
عندما تجد نفسك محاطاً بشباب أمتك من تونس والجزائر وليبيا ومصر والمغرب والسودان والسعودية ولبنان وعُمان وسوريا والعراق واليمن و و .. ستدرك ما أقوله الآن ..
وهل سأنسى حديث وعد وبلال وعياظ عن ثورة تونس .. هل سأنسى بريق عيني وعد؟ وإصرار بلال على التغيّر؟ وثقافة واطلاع عياظ على الأحداث في تونس ؟
هل سأنسى ما قالته لي رجاء وأكده عبد الباري عن ليبيا ؟
هل سأنسى لهجة مريم الغربي من المغرب وتهلل وجهها عندما قلت لها ستدخلون القدس من باب المغاربة يا مريم؟
كيف سأنسى كلمات عامر عن تجربته في سوريا في أسوء ظروفها؟
وكيف ستغيب عن ناظري صورة منة الله وسارة وأميرة من مصر وهن يحدثنني عن تجربتهن في ميدان التحرير بخفة دم الشعب المصري الرائع؟ كيف سأنسى عمق أفكارهن التي تنبئ بشباب جديد .. سينقل هذه الأمة نقلة نوعية وراقية؟
وكيف سأنسى نهلة - صديقتي من مصر- وهي تحكي لي عن تجربة الألترس وتبكي.. وتقول :سامحوني يا ألترس لم أكن أعرفكم من قبل .. ثم تضحك وتحكي لي كيف كانت قبل يوم خطبتها في ميدان التحرير .. لتجد خطيبها هناك أيضاً : ) ..
وهل ستنسى الذاكرة .. كلمات الوفد السوداني .. د.عدنان .. ود.مصطفى .. اسلام .. وصفاء .. وهم يحدثوني عن تجربة مشروع النهضة في السودان وتمكنهم من تدريب ما يزد عن 1000 شاب وشابة على حزم النهضة الأربعة .. لدرجة أنني كنت أتمنى أن أطير في وقتها إلى بلادي لأصنع شيئاً مشابهاً مع شباب بلدي..
سنا الغالية .. كيف سأنسى وجعها وهي تتكلم عن سوريا الحبيبة .. وكيف سأنسى رقي الوفد الجزائري المتعلم والمثقف.. وكيف ستغيب روح سكينة .. وهي تجلس بجانبي وتخبرني عن واقع جدة .. وتقول: نفسي أغيّر يا آلاء .. نفسي أغيّر ..
أما وجه ميساء فقد طبع في عقلي وقلبي معاً .. حنين الفلسطيني إلى بلاده .. عشته مع ميساء لأسبوعين..
تلك النقية التي عادت إلى غرفتنا يوماً بعد أن شاهدت فلماً عن الرسول -عليه السلام- لتضع رأسها في حضني أكثر من ربع ساعة .. وهي تبكي وتقول : إحنا بعاد يا آلاء .. إحنا بعاد كتيير ..
وابتسامة أمجد وهو يحدثني عن واقع غزة .. ابتسامة أشعرتني برغبة جامحة في البكاء .. قلبي لحظتها كان يتقطع على بلدي الحبيب .. ولكن طموح أمجد .. جعلني أقاوم كل دمعة وأزرع مكانها شيئاً من إرادته وعزيمته..
وكلمات ربا وهي تخبرنا عن انتقالها إلى الكثير من البلاد رسمت في روحي ألماً لن يبرأ إلى بتحرير الإنسان في كل بلد عربية..
مئات القصص التي لا وسع لها هنا أصبحت جزءاً من كياني..
حتى بت أشعر بأني أصبحت مختلفة بعد تلك الرحلة .. مختلفة بحق ..
فقد ذهبت بروح واحدة .. وعدت بأكثر من 100 روح..
ذهبت برواية واحدة .. وعدت بأكثر من مئة رواية ..
كلها تنسج معاً واقع عالمنا العربي المؤلم..ولهفة شبابه إلى التغيّر..
كلها تنبئ بحقيقة أصبحت تتجلى بالأفق..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
جيل سيحفر بالصخر.. من أجل أن نعود!!
تكتبها لكم
آلاء سامي
13-9-2012
هناك حكمة آلائية لا أتردد بالبوح بها كلما سمحت لي الفرصة .. تقول الحكمة (الناس يرون النجاح عادة .. ولكن لا أحد يعلم ما يحدث وراء الكواليس!).
الأكاديمية كانت حلماً راودني منذ ما يقارب الثلاث سنوات.. أذكر بأن حلقاتها القديمة كانت تبث على قناة الرسالة في وقت متأخر من الليل (كإعادة) .. فإذا جافاني النوم.. قمت لأتابعها.. وأذكر بأنني في إحدى الأمسيات بكيبت كثيراً ودعوت الله أن يجمعني بهؤلاء الشباب يوماً ما...
وبتشجيع من الكثيرين على رأسهم الغالية ميساء أبو هلال وأستاذي الفاضل أيمن .. قمت بالتقديم لها في عام 2011، بعد محاولات كثيرة لإقناع أبي بالسفر، وبعد إقناعه .. جاء الرفض من الأكاديمية نفسها.. بسبب اكتمال عدد الوفد الفلسطيني! ..
جاء عام 2012.. وأعدت المحاولة من جديد .. وقبل (يوم مولدي) بيوم واحد فقط، جاءت الموافقة.. بعد أن عشت على أعصابي لأكثر من شهر.. أذكر بأنني يومها عدت من عملي وأنا أكاد أحلق من الفرح والسعادة..
ولكن هل أنتهت القصة هنا.. للأسف (لا) !
بعد ذلك بما يقارب الشهر ألغيت كل منح الوفد السوداني والفلسطيني بسبب مشاكل عند الداعمين أنفسهم .. وقد كان ذلك اليوم من أقسى الأيام في حياتي ..فأصعب شيء أن ترى حلم من أحلامك يتلاشى أمامك..
لم أفقد الأمل ..كنا ندعو كثيراً أنا والأصدقاء.. وفي تلك الفترة شعرت بانتماء شديد لإخوتي وأخواتي في الأكاديمية والذين وقفوا بجانبنا أجمل وقفة وساندونا معنوياً لأبعد الحدود..
وفي يوم 1-8-2012 جاء الفرج.. وعادت المنح من جديد.. وكنت أتمنى أن ينتهي الأمر هنا.. ولكن طريق الأحلام صعب .. لذلك قلة هم من يكملون المشوار حتى النهاية ..
يوم السفر وقبل دخول الطائرة بلحظات.. انتبهنا على أننا من السرعة أحضرنا جواز سفري القديم بدل الجديد !.. ولسوء الحظ ألغيت رحلة الطيران.. ولولا لطف الله لألغيت رحلة الأكاديمية بالكامل.. ولكن الله سلم في آخر لحظات ووجدت حجزاً جديداً .. ولكم أن تتخيلوا كيف كان شعوري في ذلك اليوم : )
كل هذه السطور الآن.. لم تعد تهمني يا أصدقاء .. فأن تعيش الحلم .. يعني أن تنسى كل الصعاب التي حدثت قبله.. وكيف نعيش بدون أحلام ؟
يعلم الله كم جددت نيتي حتى استحقت روحي تلك المغامرة الجميلة.. وقد كتبت كل هذا.. لأقول لكم:
(طريق الأحلام يحترم فقط من يناضل من أجله.. لا تعتقدوا بأن من يحقق وينجز أهدافه ..قد سار يوماً على طريق مزركش بالورود)..
من يرد الراحة والسلامة .. فهناك طريق أسهل من هذا بكثير .. ولكن بالنهاية مصير ذلك الطريق معروف !
كونوا عظماء .. وإياكم أن تتنازلوا عن أحلامكم..
فكم من الأشخاص استسلموا .. قبل أن يصلوا القمة بدقائق معدودة !
(2) المطار لوحده مدرسة!
سأبدأ القصة من الصفحة القبل الأخيرة :)
صفحة العودة إلى البلاد ..
بحق .. كنت أشعر بتوتر طبيعي.. لأنها كانت التجربة الأولى لي للقيام بإجراءات العودة.. والرحيل من مطار الأراضي التركية إلى مطار اللد ..
ولكن الحياة بالنهاية مغامرة .. هذا ما كنت أقوله لنفسي ..
المطار هو مكان مصغر ترى من خلاله الإنسانية .. على يمينك صيني .. وعلى يسارك أمريكي .. وأمامك يجلس مشرد مع زوجته .. هو يطالع كتاباً وهي تنام بقربه بكل هدوء وطمأنينة .. حاولت أن ألتقط لهما صورة .. ولكني ترددت :) وفي الخلف يقف العشرات بانتظار دورهم لإنهاء المعاملات ..
المشكلة الأساسية عند الشعب التركي عدم اتقانه للإنجليزية .. لذلك ستستخدم لغة الإشارة كثيراً .. وستتورط أحياناً بأن تكتفي بهز رأسك دون أن تفهم شيئاً ..
من أكثر المواقف التي أثارت مشاعري هناك .. قيام أحدهم بحمل حقيبتي الثقيلة ووضعها على ماكنة التفتيش .. بعد أن رأى عدم تمكني من ذلك .. شخص لا ينتمي لديني ولا لبلدي .. ولكن ما جمعني به هو (إنسانيتنا) فقط .. هنا تقول (يا الله) .. فالبشرية هي ما يوحدنا جميعاً ..
وسنة الاختلاف نعمة .. لا يفهمها إلا قلة .. وفي المطار دروس كثيرة ستعلمك تلك المعاني ..
من أجمل ما حدث معي هناك .. أنني التقيت بالعم أبو حميد .. رجل فيه من ملامح وروح والدي .. كنت أقف أمام اللوحة الكبيرة التي تظهر عليها أرقام البوابات التي تقود إلى الطائرة .. والتوتر يعود ليملأ روحي من جديد ..
وفجأة سمعت أحدهم يتحدث العربية .. طبعاً التفت بكل جوارحي .. فهناك العربية ستعني لك الكثير :) .. كان العم أبو حميد .. يسلم على أشخاص بجانبي .. ومن ثم سألني من أين أنت يا ابنتي .. فقلت القدس !!
فجاء الفرج ..
بركتك يا قدس .. :)
هو رجل من نابلس .. خرج منها في ال1967 .. ولم يعد بعدها .. تاجر من تجار الأردن .. ذهب الى الكثير من بلاد العالم .. حدثني عن مدرسة السفر.. عن الصين .. وعن جولاته التي علمته الكثير..
أصر على إحضار العصير والكعك لي .. وقال لي (بس أرجع القدس بتغدى عندكم :) ) ..
كانت روحه جميلة جداً .. حدث والدي من هناك .. وقال له .. آلاء جدعة وعن 10 شباب ..
وأوصلني الطائرة .. بعد حديث عن الدولة المدنية والدولة الدينية ..
وقبل لحظات الإقلاع عدت أتذوق معاني وجمالية الاختلاف من جديد .. ثم تذكرت بأنني لم أقرأ كلمات أخي الدكتور عدنان عوض .. وقد كان آخر من كتب لي من الزملاء على دفتر الأكاديمية ..
كانت الكلمات تقول:
(خلقنا في الكون لتوفير (معنى) لحياتنا .. وما بين الإيجاد (وتحقيق المعنى) رحلة طويلة .. هي معادلة بسيطة آلاء .. بسيطة لمن يعييها.. من يعييها ويدرك ما يترتب على هذا الوعي من قرارات) ..
بقيت أتأمل تلك الكلمات العميقة وأنظر إلى ملامح الناس في المطار .. حتى جاء موعد الدخول إلى الطائرة ..
بصراحة .. السفر بالطائرة لم يرق لي أبداً .. ما عدا لحظات الهبوط :) (أكشن)
قضيت معظم وقتي أغوص في نوم عميق .. وأحلم بكل الذكريات التي عشتها خلال أسبوعين مع أجمل أرواح .. وأروع قلوب ..
ثم جاءت اللحظة التي ضمني بها والدي .. وغسلت نسمات وطني الحبيب تفاصيل روحي..
لتكتب آخر أسطر من ذكريات هذه الرحلة العظيمة ..
(3) رحلتي تلخصت بهم ..
وأجلس مع نفسي لأسألها عن أكثر شيء استفادت منه في هذه المغامرة الجميلة ..
هل هي المحاضرات؟ .. هل هي تجربة السفر بذاتها ؟ هل هي تركيا الرائعة وما تحويه من كنوز؟ هل هي مقابلة الأساتذة الأفاضل أمثال د.طارق سويدان .. وأ.بثينة الابراهيم .. وأ.مثنى الكردستاني .. ود.عصام البشير.. وأ.هاني المنيعي.. والمنشد المميز حمود الخضر؟
فأجد أن كل هذا رائع وجميل.. ولكن بحق كانت الإجابة مختلفة عن كل ما ذكر!!
أكثر ما أثر بي بعمق .. هو جلوسي بين أبناء وبنات أمتي لأسبوعين من الزمان ..
يااااه كم شعرت بالألم الذي سببه وصنعه الاستعمار يا أصدقاء .. كيف حرمنا من بعضنا البعض كل هذه السنين..
عندما تجد نفسك محاطاً بشباب أمتك من تونس والجزائر وليبيا ومصر والمغرب والسودان والسعودية ولبنان وعُمان وسوريا والعراق واليمن و و .. ستدرك ما أقوله الآن ..
وهل سأنسى حديث وعد وبلال وعياظ عن ثورة تونس .. هل سأنسى بريق عيني وعد؟ وإصرار بلال على التغيّر؟ وثقافة واطلاع عياظ على الأحداث في تونس ؟
هل سأنسى ما قالته لي رجاء وأكده عبد الباري عن ليبيا ؟
هل سأنسى لهجة مريم الغربي من المغرب وتهلل وجهها عندما قلت لها ستدخلون القدس من باب المغاربة يا مريم؟
كيف سأنسى كلمات عامر عن تجربته في سوريا في أسوء ظروفها؟
وكيف ستغيب عن ناظري صورة منة الله وسارة وأميرة من مصر وهن يحدثنني عن تجربتهن في ميدان التحرير بخفة دم الشعب المصري الرائع؟ كيف سأنسى عمق أفكارهن التي تنبئ بشباب جديد .. سينقل هذه الأمة نقلة نوعية وراقية؟
وكيف سأنسى نهلة - صديقتي من مصر- وهي تحكي لي عن تجربة الألترس وتبكي.. وتقول :سامحوني يا ألترس لم أكن أعرفكم من قبل .. ثم تضحك وتحكي لي كيف كانت قبل يوم خطبتها في ميدان التحرير .. لتجد خطيبها هناك أيضاً : ) ..
وهل ستنسى الذاكرة .. كلمات الوفد السوداني .. د.عدنان .. ود.مصطفى .. اسلام .. وصفاء .. وهم يحدثوني عن تجربة مشروع النهضة في السودان وتمكنهم من تدريب ما يزد عن 1000 شاب وشابة على حزم النهضة الأربعة .. لدرجة أنني كنت أتمنى أن أطير في وقتها إلى بلادي لأصنع شيئاً مشابهاً مع شباب بلدي..
سنا الغالية .. كيف سأنسى وجعها وهي تتكلم عن سوريا الحبيبة .. وكيف سأنسى رقي الوفد الجزائري المتعلم والمثقف.. وكيف ستغيب روح سكينة .. وهي تجلس بجانبي وتخبرني عن واقع جدة .. وتقول: نفسي أغيّر يا آلاء .. نفسي أغيّر ..
أما وجه ميساء فقد طبع في عقلي وقلبي معاً .. حنين الفلسطيني إلى بلاده .. عشته مع ميساء لأسبوعين..
تلك النقية التي عادت إلى غرفتنا يوماً بعد أن شاهدت فلماً عن الرسول -عليه السلام- لتضع رأسها في حضني أكثر من ربع ساعة .. وهي تبكي وتقول : إحنا بعاد يا آلاء .. إحنا بعاد كتيير ..
وابتسامة أمجد وهو يحدثني عن واقع غزة .. ابتسامة أشعرتني برغبة جامحة في البكاء .. قلبي لحظتها كان يتقطع على بلدي الحبيب .. ولكن طموح أمجد .. جعلني أقاوم كل دمعة وأزرع مكانها شيئاً من إرادته وعزيمته..
وكلمات ربا وهي تخبرنا عن انتقالها إلى الكثير من البلاد رسمت في روحي ألماً لن يبرأ إلى بتحرير الإنسان في كل بلد عربية..
مئات القصص التي لا وسع لها هنا أصبحت جزءاً من كياني..
حتى بت أشعر بأني أصبحت مختلفة بعد تلك الرحلة .. مختلفة بحق ..
فقد ذهبت بروح واحدة .. وعدت بأكثر من 100 روح..
ذهبت برواية واحدة .. وعدت بأكثر من مئة رواية ..
كلها تنسج معاً واقع عالمنا العربي المؤلم..ولهفة شبابه إلى التغيّر..
كلها تنبئ بحقيقة أصبحت تتجلى بالأفق..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
جيل سيحفر بالصخر.. من أجل أن نعود!!
تكتبها لكم
آلاء سامي
13-9-2012
5 التعليقات:
السلام عليكم.
تجربة مميزة تستحق التجربة ..
وأكاديمية إعداد القادة أسرتنا ببرامجها ومناهجها ونتعلم منها الكثير .
تجربتك عشناها بفضل اسلوبك الراقي في صياغتها..
لك تحياتي...
- راق لي توجّه و مضمون المدوّنة ! الزّمن الجميل يسعدها أن تقاسمك نشر المعرفة و الوعي و السعي إلى الأفضل و تدعوك لزيارتها و التفاعل ، تقديري
http://zaman-jamil.blogspot.com/
Thanks to topic
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك..اللهم آمينi
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك
إرسال تعليق