بريق شمس

معظم الناس ينظرون إلى الأشياء التي تحدث ويقولون لماذا ؟ أما أنا فأنظر إلى الأشياء التي لم تحدث بعد وأقول لما لا

عندما كنت معلمة للمرة الأولى !


كنت أنتظر تلك اللحظة التي تسمح لي بممارسة هذه المهنة كما (أتمنى) ..
كنت أنتظر تلك اللحظة التي تسمح لي برؤية الصورة التي عاشت طويلاً في مخيلتي على أمل أن تصبح واقعاً .. 

تعليم بدون أدراج .. بدون علامات .. بدون أوامر .. بدون شروط .. بدون منهج مقيّد .. 
تعليم لا يلتزم بجلسة معينة .. ومواعيد محددة .. وساعات مبرمجة .. وأيام متشابهة.. وكتب مقررة.
تعليم يحترم الأنماط المختلفة للشخصيات .. 
تعليم يستقي قيمه من خلال التجربة والإحساس والخيال والمعنى والمجاورة والتعاون ..
تعليم يجسد مقولة سيدنا علي -كرم الله وجهه- (قيمة المرء ما يُحسنه). 
تعليم بدون أوائل ومنافسة ..
تعليم بدون كلمتي ناجح وراسب .. 
تعلم لأجل التعلم ..
معرفة لأجل الحلم الأكبر .. التحرر والحضارة .. لا لأجل الرتب والوظائف والمناصب والعلامات !

بدأت الفكرة عندما لاحت لي خاطرة بسيطة وهي : لماذا لا نستغل المدرسة بكل مواردها في العطل الرسمية ؟ كيف نغفل عن تلك المساحات الشاسعة التي بنيت وأسست خصيصاً لشبابنا ونبقيها متروكة لأسابيع وربما لأشهر ؟ 

من تجربتي بعمل الدورات واللقاءات المختلفة كنت أواجه تحديين : (1) الوصول للعنصر الشبابي ودعوته لهذه البرامج .. (2) إيجاد مكان مجهز لعقد الأنشطة .. وقد وجدت بأن المدرسة توفر لنا هذين الأمرين بكل بساطة (المكان والعنصر الشبابي) بدون أي جهد يذكر..

وفعلاً كانت البداية مع (مخيم النور الشتوي) لطلاب الصف الخامس والسادس والذي عقد لمدة ثلاثة أيام في مدرسة (دار الحكمة).

كان لدي ثلاثة أهداف مركزية من إقامة المخيم :

* الأول : فتح آفاق الشباب وجعلهم قادرين على رؤية مساحات جديدة من الحياة لا يوفرها لهم الإعلام أو الأسرة أو التعليم بصورته التقليدية بالعادة.

* الثاني : إطلاق ممكناتهم وطاقاتهم .. أن يشعروا بالقدرة (أنا أستطيع !).

* الثالث : أن يتعرفوا على سمات شخصيتهم بشكل أكبر وأن يعبروا عن أنفسهم بدون قيود.

من أجمل اللفتات التي أستطيع أن أكتب عنها :أن الطلاب المشاركين حضروا بأنفسهم بدون أي إلزام .. وكان من أهم قواعد المخيم (متى ما شعرت بالملل أو بأن هذا المكان لا يناسبك إنسحب بقوة).

بدأ المخيم بعرض تجربة سقوط القنبلة النووية على مدينة (هيروشيما - اليابان) والتي تسببت بمقتل آلاف السكان .. وهدم ما لا يقل عن 60% من مباني المنطقة .. كحادثة مروعة في تاريخ العالم .. وعن تجربة مواطنيها الذين أعادوها في 7 سنوات فقط لتصبح الآن من أقوى دول العالم وأكثرها تقدماً ( سواء اتفقنا على مفهوم التقدم الذي استقته اليابان لنفسها أم اختلفنا .. فلكل بلد وحضارة معاييرها). 

ثم انتقلنا إلى مشاهد من فلسطين حيث الجدار والحواجز العسكرية والمناهج المؤسرلة والتضييق في مختلف جوانب الحياة .. لنطرح الأسئلة التالية : 

(1) لماذا لا زلنا نخضع للاحتلال الذي لم يبرح أراضينا لما يزيد عن الـ 60 عاماً ؟
(2) ماذا نستطيع أن نفعل لأجل المساهمة بنهضة بلادنا ؟ 

(مساحة حرة للنقاش) .. 

طلبت من الطلاب بعدها أن يغمضوا أعينهم ويحلموا بفلسطين بعد 10 سنوات .. بدؤوا بعدها بالتعبير عن أحلامهم بشكل جميل جداً .. ثم بدأت بعرض بعض النماذج الفلسطينية الشبابية التي ساهمت بإحداث تغيير حقيقي على هذه الأرض رغم كل التحديات .. حاولت بعرض النماذج أن أختار شخصيات واقعية لشباب صغار ساهموا حقاً بإحداث تغيير حقيقي وأن أذكر لهم التحديات التي واجهوها قبل الإنجازات حتى أبتعد عن أسلوب التنمية البشرية !

ثم طلبت منهم أن يبدؤوا بتكوين سيناريو فيلم عن الأحلام التي يتمنون تحقيقها في ضوء الحلم الكبير (أن أحلم لأجل نفسي ولأجل أمتي)..

ثم اتفقنا على أن القاعدة الأولى لأي إنجاز هي أن نعيشه بأحلامنا ونؤمن به بقوة .. هو (أن نحلم) .. 

وكتطبيق فعلي لمفهوم (الحلم) قررنا أن نقوم بإنجاز ثلاثة أحلام :

- حلمنا أن نزرع ساحات مدرستنا .. 
- حلمنا أن نساعد إنساناً هو بحاجتنا .. (زيارة دار المسنين).
- حلمنا أن نفعل شيئاً معرفياً لأجل وطننا .. (تصحيح بعض المعلومات عن المسجد الأقصى في ذهن الناس).

وعندما قررنا أن نبدأ بتطبيق حلمنا الأول (زراعة المدرسة) .. تعمدت أن أدعو إحدى المهندسات الزراعيات والتي جاءت لتشرح لهم عن كيفية الزراعة والتدوير .. 

ليتعلم الأطفال المبدأ الثاني للتغير ألا وهو (أن نفهم) فأحلام بدون فهم حقيقي ستبقى بمحض الخيال ..

ليتكون الشق الثاني من المعادلة : 

(نحلم + نفهم) .. 

ثم كان التطبيق العملي .. حيث عمل الأطفال بأيديهم في طقس شديد البرودة (تحديات) لينجزوا حلمهم بزراعة المدرسة وتزينها .. وقد ساعد يومها الطقس الماطر على تجسيد صورة التحدي التي يأتي دائماً بصورة ملاصقة لكلمة حلم .. ليتعلم من ذلك الأطفال دروساً كثيرة ..

وليكتمل الشق الثالث .. 

(نحلم + نفهم + نعمل = تحقيق ما نتمنى) ..








كررنا تلك الشروط الثلاثة على كل من المهمة الثانية والثالثة .. 

حيث حقق الطلاب حلمهم الثاني بمساعدة شخص يحتاجهم متعلمين بتجربة زيارة المسنين دروساً كثيرة في الإنسانية لا يستطيع أن يعلمها لهم كتاب ولا معلم واعظ..
هناك أطعموا المسنين بأيدهم .. حضنوهم .. غنوا لهم .. وأحضروا لهم بعض الهدايا ..





وكذا .. ساروا في شوارع القدس مستنشقين عبق الوطن والذي لا يستطيعون أن يستشعروه طالما بقوا مقيدين وراء أدراجهم حبيسي أربعة جدران تسمى (الصف).

هناك ساروا في شوارع القدس العتيقة .. ليقفوا تارة عند أحد (السنتوارية) ليناقشوا معه سبب بيعه لمنتجات تراثية مكتوب عليها كلمة (اسرائيل) .. ويقفوا تارة على مطلة (الهوسبيس) ليروا ربوع القدس بتناقضاتها بمشهد رائع .. وليجلسوا في مطعم شعبي ليأكلوا الحمص والفلافل ويشربوا عصير الليمون .. وليشتروا لهم ولذويهم بعض الهدايا .. لتكون المحطة الأخيرة في المسجد الأقصى .. حيث صلوا هناك صلاة الظهر جماعة وقاموا بتصحيح معلومة (الأقصى كل ما داخل السور) لـ 100 شخص في 20 دقيقة (كتمرين يعلمهم شدة غياب الوعي عند الناس حول القدس وكذلك ليشعروا بـ(القدرة) على التغيير) .. 













مع الأطفال هناك لم أكن معلمة ولم تكن تلك الحواجز .. أكلت معهم .. ركضت معهم .. تسابقت معهم .. التقطنا لبعضنا الصور .. ضحكنا معاً .. سرنا بشوارع القدس معاً .. تألمنا معاً في دار المسنين .. تناقشنا كثيراً .. لعبنا .. 

هناك كانت مجاورة حقيقة التغت معها الألقاب ولم يبق إلا (شغف) لأجل المعلومة والإنجاز .. 

بالنهاية ما كان هذا الحلم أن يكون لولا سعة صدر الإدارة التي لم تعترض طريقنا بل على العكس وفرت لنا كل الدعم .. ولولا وقوف زميلاتي بجانبي أخص بالذكر أ.دعاء الشريف و أ.أسيل اسماعيل و أ.آلاء مشعل .. اللواتي دعموني بالفكرة .. وكانوا معي من اللحظة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة .. مقدمين لي وللأطفال كل الحب وكل العطاء وكل المساعدة وكل الدعم ... 

ليكون هذا الحلم .. وليكون هذا النور ..

0 التعليقات:

إبحث في بريق شمس



Leave the world a little better than you found , take no more than you need , try not to harm life or environment...

مدونة بريق شمس. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
  • التاريخ خارطة البشرية التي تثرثر كثيراً عن أولئك الذين صنعوه ... ولا يمكن أن نتجاهل أبداً تلك الوجوه التي نحتت على الصخر صورها بينما كان البقية يتأملون وجوههم على صفحة الماء ! .. علا باوزير


    التدوين : هو أن تنظر إلى حدث عادي بنظرة غير عادية فتصنع منه حدثاً غير عادياً

    قال تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
  • مدونة لكل شباب النهضة ... لكل الشباب الذين قرروا أن يكونوا متميزين بدينهم وعلمهم وإبداعاتهم
    كل التحية والاحترام لكم
    آلاء سامي

حياتي كلها مهر لأمتي

حياتي كلها مهر لأمتي

إهداء من الصديقة نادية درويش

إهداء من الصديقة نادية درويش
:) من على متن الكتاب .. ومن أمام الشمس

يقظة فكر - معانقة الفكر مع الفن -

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع
نرى ما لا يراه الآخرون

إعلام ينبض شباباً

إعلام ينبض شباباً
شارك لننقل الإعلام نقلة جديدة تمثلنا

أكاديمية إعداد القادة ... خطوة للأمام

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود
كلمات هذا الرجل تدهشني

! قلمي يكتب هنا أيضاً

! قلمي يكتب هنا أيضاً
.أول مجلة تكنولوجية تصدر بالعربية في فلسطين

Facebook مدونتي على موقع ال


المتابعون

... إقرأ أيضاً

..بقلم

صورتي
اللهم إجعلني من مُجددات الأمة ... اللهم واجعل كلماتي تصل إلى الآفاق ~

عدد المشاهدات

أرشيف المدونة