عندما ننظر إلى الأمور من زاوية مختلفة يتغيّر الكثير! جميعهم يحملون كميراتهم ويتدافعون لأخذ صورة مع تلك الأهرامات العريقة، وأنا أبحث عن أكوام الحجارة المتبعثرة بجانبها .. فقد قالوا لي بأن آلاف الرقيق دفنوا أسفلها في مقابر جماعية، بعد أن أنهكهم التعب وهم يحملون ملايين الألواح الحجرية ويقطعون مسافة تقدر بتسعمئة كيلومتر مشياً على الأقدام من أسوان إلى القاهرة !
تسعة أهرامات هي رمز للحضارة المصرية راح ضحيتها آلاف الرقيق البؤساء، والذين كانوا يتساقطون كأوراق الخريف الذابلة من شدة التعب، ثم تلقى أجسادهم النحيلة في مقابر جوفاء محفورة بالقرب من تلك الأهرامات، ليس بهدف تقديرهم، بل بهدف أن تخدم أرواحهم حجارتها وهم أمواتاً .. كما كانت تخدمها أجسادهم وهم على قيد الحياة !
جميعهم يبتسمون للصورة وخلفهم الهرم، وأنا لا أرى في المكان إلا قصص أولئك الضحايا المقهورين، هم يرون أهرامات ويشعرون بالنشوة لأنهم وصلوا إليها أخيراً، وأنا إذا ما نظرت إلى حيث ينظرون لا أرى إلا انعكاسات لوجوه بريئة ذابلة راحت ضحية شجع فرعون لا يرى بكل الوجود إلا نفسه !
أحياء يموتون، لأجل صناعة قبر لفرعون لا زال حياً يرزق.. نعم، هذه هي المعادلة.
واذا ما ساروا فوق سور الصين العظيم، تركتهم وأخذت أنظر بين الشقوق علني أجد شيئاً من ذكرى لواحد من آلاف المستعبدين الذين كانوا يتساقطون صرعا من شدة التعب فيدفنون ويستمر العمل بعدهم، أتركهم بانذهالهم، وأبحث بين الشقوق علني أستمع إلى أنفاس جدي المقهور والذي رُمي هو وفأسه بين جنبات السور دون أي مبالاة، فإذا ما اكتمل العمل أقيمت الاحتفالات ووضع عنوان عظيم "هيا وانظروا، هيا وارفعوا الكؤوس .. هنا شيء من عجائب الدنيا السبعة ! ".
القصور العظيمة، والكنائس الضخمة، والأسوار العملاقة، والجبال المنحوتة، والقلاع الشاهقة كلها ترعبني لأنني أعرف بأن ما وراء الحكاية العظيمة التي تروى لنا حكايات أخرى مكتوبة بدماء إنسان مظلوم راح ضحية خرافة آمن بها فرعون .. أو جشع ملك .. أو موعظة كاهن استخدم اسم الدين ليرضي أهواءه وسلطة أصحاب القصور.
أسير تحت خيوط الشمس الأخيرة وهي تودع الأرض بشفق أحمر عذب، وأفكر...
أنا لا أتوق لحضارة المبنى، بل إن أوصالي ترتعد من أي بلد تصنف نفسها على أنها حضارية على أساس أبراجها ذات الرؤوس التي لا ترى.
أنا لا أتوق لحضارة يذكر فيها اسم شخص ويغيب بها أسماء ملايين راحوا ضحية لأهوائه. أنا فقط أبحث عن حضارة (النبي)، تلك الحضارة التي يؤذن بها كل يوم تراتيل آية تصدح " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الأئمة ونجعلهم الوراثين". أنا أبحث عن حضارة وسعت بلال .. قبل أن تسع عثمان .. وضمت ياسر قبل أن تضم خالد .. واعترفت بالإنسان قبل أن تعترف بالمبنى ..
نشرت في شبكة قدس في 14-3-2013
تسعة أهرامات هي رمز للحضارة المصرية راح ضحيتها آلاف الرقيق البؤساء، والذين كانوا يتساقطون كأوراق الخريف الذابلة من شدة التعب، ثم تلقى أجسادهم النحيلة في مقابر جوفاء محفورة بالقرب من تلك الأهرامات، ليس بهدف تقديرهم، بل بهدف أن تخدم أرواحهم حجارتها وهم أمواتاً .. كما كانت تخدمها أجسادهم وهم على قيد الحياة !
جميعهم يبتسمون للصورة وخلفهم الهرم، وأنا لا أرى في المكان إلا قصص أولئك الضحايا المقهورين، هم يرون أهرامات ويشعرون بالنشوة لأنهم وصلوا إليها أخيراً، وأنا إذا ما نظرت إلى حيث ينظرون لا أرى إلا انعكاسات لوجوه بريئة ذابلة راحت ضحية شجع فرعون لا يرى بكل الوجود إلا نفسه !
أحياء يموتون، لأجل صناعة قبر لفرعون لا زال حياً يرزق.. نعم، هذه هي المعادلة.
واذا ما ساروا فوق سور الصين العظيم، تركتهم وأخذت أنظر بين الشقوق علني أجد شيئاً من ذكرى لواحد من آلاف المستعبدين الذين كانوا يتساقطون صرعا من شدة التعب فيدفنون ويستمر العمل بعدهم، أتركهم بانذهالهم، وأبحث بين الشقوق علني أستمع إلى أنفاس جدي المقهور والذي رُمي هو وفأسه بين جنبات السور دون أي مبالاة، فإذا ما اكتمل العمل أقيمت الاحتفالات ووضع عنوان عظيم "هيا وانظروا، هيا وارفعوا الكؤوس .. هنا شيء من عجائب الدنيا السبعة ! ".
القصور العظيمة، والكنائس الضخمة، والأسوار العملاقة، والجبال المنحوتة، والقلاع الشاهقة كلها ترعبني لأنني أعرف بأن ما وراء الحكاية العظيمة التي تروى لنا حكايات أخرى مكتوبة بدماء إنسان مظلوم راح ضحية خرافة آمن بها فرعون .. أو جشع ملك .. أو موعظة كاهن استخدم اسم الدين ليرضي أهواءه وسلطة أصحاب القصور.
أسير تحت خيوط الشمس الأخيرة وهي تودع الأرض بشفق أحمر عذب، وأفكر...
أنا لا أتوق لحضارة المبنى، بل إن أوصالي ترتعد من أي بلد تصنف نفسها على أنها حضارية على أساس أبراجها ذات الرؤوس التي لا ترى.
أنا لا أتوق لحضارة يذكر فيها اسم شخص ويغيب بها أسماء ملايين راحوا ضحية لأهوائه. أنا فقط أبحث عن حضارة (النبي)، تلك الحضارة التي يؤذن بها كل يوم تراتيل آية تصدح " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الأئمة ونجعلهم الوراثين". أنا أبحث عن حضارة وسعت بلال .. قبل أن تسع عثمان .. وضمت ياسر قبل أن تضم خالد .. واعترفت بالإنسان قبل أن تعترف بالمبنى ..
نشرت في شبكة قدس في 14-3-2013
0 التعليقات:
إرسال تعليق