الديانة الوثنية والمسيحية والإسلامية كلها اجتمعت هنا ..
ترى عبق التاريخ في هذا المكان ..
في لحظة ما تستشعر تأوهات المرضى وهم يلتفون حول البركة أملاً بالشفاء من إله الطب الوثني (سرابيوس اسكلابيوس ) منذ العهد اليوناني في القرن الثاني قبل الميلاد!...
وعلى صوت دندنات الشعائر المسيحية داخل كنيسة القديسة حنة (سانت آن)، ترى نفسك تنتقل بين صفحات التاريخ لترى هذا المكان البديع ينتقل بين أيدي المسيحيين تارة فتبنى فيه الكنائس، وبين أيدي المسلمين تارة أخرى فتبنى به دور العلم والمدارس.
في هذا المكان البديع اجتمع الطب والدين والعلم ! ..
تشعر بدقات قلبك تعلو عند الوصول إلى هذا الباب والذي بناه صلاح الدين الأيوبي عندما أنشأ المدرسة الصلاحية .. تدمع عيناك وأنت تقرأ النقش المكتوب بالنسخ الأيوبي والمحفور فوق الباب كدليل حي على أن المبنى فيما مضى كان مدرسة للفقه الشافعي!
تبحر في خيالك لترى جموع الطلاب يجلسون في حلقة هنا وحلقة هناك يتدارسون الفقه والقرآن والحديث وعلم النفس واللغات والموسيقى والفلك وعلوم الأرض ليتوجوا فترة رائدة في تاريخ الإسلام والمسلمين ..
ثم تعود لسماع دندنات المتعبدين داخل الكنيسة .. فتستيقظ ..
تداعبك حبات المطر من فوقك .. ثم تسمع صوتاً من السماء يقول لك :
"إنها القدس يا هذا .. آن لك أن تعرفها .. آن لك أن تستيقظ بحق !".
..........................................................
كان يوماً ماطراً يشدو تراتيل الشتاء بشغف، وكنت أقف عند النافذة أحاور نفسي هل أذهب أم أبقى بجانب المدفئة !
ولكن الجلوس بجانب المدفئة لن يصنع يوماً عظيماً بالتأكيد ! .. لذا قررت الذهاب لأتعلم من التاريخ ولو القليل ..
تقع كنيسة القديسة حنة (سانت آن)، أو ما كان لقرون عديدة يعرف باسم المدرسة الصلاحية، إلى الغرب من باب الأسباط، في الجهة الشمالية من بداية طريق المجاهدين..
عند دخولك باب الكنيسة تجد هذه الحديقة البديعة والمليئة بالأزهار والأشجار الخضراء في انتظارك.
عند ذهابك إلى تلك الكنيسة ، سترى نقش تأسيسي للمدرسة الصلاحية على لوحة كتابية مثبتة فوق قوس المدخل الرئيس، كتبت بالخط النسخي الأيوبي على (5 أسطر) تشتمل على (298 حرف).
وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن البركة ذات الحوضيين، وعن السد الفاصل بينهما، وعن أبار رومانية، وأثار لمعبد الطب، وبقايا لكنيسة بيزنطية، وبعض آثار الكنيسة الفرنجية الصغيرة، علاوة على المغارات والكهوف بعضها استخدم كآبار .. وأرضيات فسيفساء بعضها يعود إلى العهد الأموي.
كان يوماً رائعاً .. شعرت يومها بأن الأمطار قد غسلت قلبي .. وعندما تُغسل قلوبنا في العادة نصبح أكثر وعياً وإدراكاً .. نصبح قادرين على الرؤية بوضح أكثر !! ...
من لا يعرف القدس .. كيف سيحبها ؟
من لا يعرف القدس .. كيف سيعيش من أجلها ؟
من لا يعرف القدس .. كيف سيستطيع أن يقول أنا إبنها ؟
أتمنى أن تسيطر هذه الأسئلة على عقل كل شخص يقول : أنا أحب القدس ..
ببساطة .. لأن من يحب .. يعرف عن حبيبه كل شيء !!
..................................
شكراً لصديقتي : إسراء جويلس على مرافقتي في هذه الجولة الرائعة !
المرجع : كُتيب (كنيسة القديسة آن \ المدرسة الصلاحية ) الذي تصدره مؤسسة التعاون-القدس
بقلم :
آلاء سامي
كتبت يوم : الجمعة 17 فبراير 2012 - 24 ربيع أول 1433
ترى عبق التاريخ في هذا المكان ..
في لحظة ما تستشعر تأوهات المرضى وهم يلتفون حول البركة أملاً بالشفاء من إله الطب الوثني (سرابيوس اسكلابيوس ) منذ العهد اليوناني في القرن الثاني قبل الميلاد!...
وعلى صوت دندنات الشعائر المسيحية داخل كنيسة القديسة حنة (سانت آن)، ترى نفسك تنتقل بين صفحات التاريخ لترى هذا المكان البديع ينتقل بين أيدي المسيحيين تارة فتبنى فيه الكنائس، وبين أيدي المسلمين تارة أخرى فتبنى به دور العلم والمدارس.
في هذا المكان البديع اجتمع الطب والدين والعلم ! ..
تشعر بدقات قلبك تعلو عند الوصول إلى هذا الباب والذي بناه صلاح الدين الأيوبي عندما أنشأ المدرسة الصلاحية .. تدمع عيناك وأنت تقرأ النقش المكتوب بالنسخ الأيوبي والمحفور فوق الباب كدليل حي على أن المبنى فيما مضى كان مدرسة للفقه الشافعي!
تبحر في خيالك لترى جموع الطلاب يجلسون في حلقة هنا وحلقة هناك يتدارسون الفقه والقرآن والحديث وعلم النفس واللغات والموسيقى والفلك وعلوم الأرض ليتوجوا فترة رائدة في تاريخ الإسلام والمسلمين ..
ثم تعود لسماع دندنات المتعبدين داخل الكنيسة .. فتستيقظ ..
تداعبك حبات المطر من فوقك .. ثم تسمع صوتاً من السماء يقول لك :
"إنها القدس يا هذا .. آن لك أن تعرفها .. آن لك أن تستيقظ بحق !".
..........................................................
كان يوماً ماطراً يشدو تراتيل الشتاء بشغف، وكنت أقف عند النافذة أحاور نفسي هل أذهب أم أبقى بجانب المدفئة !
ولكن الجلوس بجانب المدفئة لن يصنع يوماً عظيماً بالتأكيد ! .. لذا قررت الذهاب لأتعلم من التاريخ ولو القليل ..
تقع كنيسة القديسة حنة (سانت آن)، أو ما كان لقرون عديدة يعرف باسم المدرسة الصلاحية، إلى الغرب من باب الأسباط، في الجهة الشمالية من بداية طريق المجاهدين..
عند دخولك باب الكنيسة تجد هذه الحديقة البديعة والمليئة بالأزهار والأشجار الخضراء في انتظارك.
تمثال للكردينال لافيجري مؤسس الآباء البيض.
يعتبر هذا الموقع محط اهتمام للمسيحيين منذ القدم، إذ يعتقدون بأن المسيح قام بشفاء الرجل المقعد العليل لثمان وثلاثين سنة ليعلن بأن الشافي الحقيقي هو الله. كما ويعتبرون أن القديسة حنة قامت بولادة السيدة مريم العذراء عليها السلام في المغارة القريبة من البركة.
صور من داخل كنيسة القديسة سانت آن ..
نص النقش :-
1. بسم الله الرحمن الرحيم وما بكم من نعمة فمن الله
2. هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدينا والدين سلطان الإسلام
3. والمسلمين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شادي محي دولة أمير المؤمنين أعز الله
4. أنصاره وجمع له بين الدنيا والآخرة على الفقهاء من أصحاب الإمام أبي عبد الله
5. محمد بن إدريس الشافعي ورضي الله عنه في سنة ثمان وثمانين وخمس مائة .
وكانت المدرسة الصلاحية تعتبر من أبرز المدارس الإسلامية وأكثرها تألقاً وقد أدت دوراً هاماً ورائداً في دعم الحياة الفكرية والفقهية في القدس الشريف.
كان يعين في هذه المدرسة أعلم وأفضل المدرسين الفقهاء، فالمشيخة فيها كانت لأعلم علماء الشافعية في بلاد العرب وكان مقدار راتبه اليومي مثقالاً من الذهب وطبيعي أن يكون وقفها من أغنى أوقاف المدارس.
كان عميد المدرسة يعيين من كبار علماء الدولة، ولا يجلس على كرسيها إلا بإذن من السطان. كما وتولى التدريس فيها نخبة من الفقهاء والعلماء الأجلاء منهم الشيخ كمال الدين بن أبي شريف المقدسي ... والذي كان من كبار العلماء ..
كانت المدرسة تدرس الفقه والعلوم والموسيقى والفلك وعلم الأرض والألسن (اللغات).
ومع الاحتلال البريطاني للقدس أعيدت الصلاحية لفرنسا، وهي إلى اليوم في أيديهم ..
صور من خارج منبى الكنيسة ..
ومع الاحتلال البريطاني للقدس أعيدت الصلاحية لفرنسا، وهي إلى اليوم في أيديهم ..
صور من خارج منبى الكنيسة ..
كان يوماً رائعاً .. شعرت يومها بأن الأمطار قد غسلت قلبي .. وعندما تُغسل قلوبنا في العادة نصبح أكثر وعياً وإدراكاً .. نصبح قادرين على الرؤية بوضح أكثر !! ...
من لا يعرف القدس .. كيف سيحبها ؟
من لا يعرف القدس .. كيف سيعيش من أجلها ؟
من لا يعرف القدس .. كيف سيستطيع أن يقول أنا إبنها ؟
أتمنى أن تسيطر هذه الأسئلة على عقل كل شخص يقول : أنا أحب القدس ..
ببساطة .. لأن من يحب .. يعرف عن حبيبه كل شيء !!
..................................
شكراً لصديقتي : إسراء جويلس على مرافقتي في هذه الجولة الرائعة !
المرجع : كُتيب (كنيسة القديسة آن \ المدرسة الصلاحية ) الذي تصدره مؤسسة التعاون-القدس
بقلم :
آلاء سامي
كتبت يوم : الجمعة 17 فبراير 2012 - 24 ربيع أول 1433
1 التعليقات:
السلام عليكم قد اكون قد قرات الموضوع متاخر لكن ان تصل متاخر خيرا من ان لا تصل ابدا الموضوع في غاية الروعة شكرا لك الاء قواك الله على فعل الخير
المحبة لك دوما وابدا
رغد الرغير
إرسال تعليق