# صحح أفكارك عن المرأة !
يقول الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء".
إن أكثر الآراء انتشاراً في الوسط الديني يوم ظهر الإسلام ما ورد في سفر التكوين في الفصل الثاني:
من أن الله تعالى خلق آدم وخلق حواء من ضلعه الأيسر وهو نائم !
ورغم أن شيئاً من ذلك لم يرد في نصوص القرآن والسنة إلا أن جمهور المفسرين ذهبوا إلى اعتبار (النفس الواحدة) في هذه الآية وغيرها هي (آدم) وأن حواء خلقت من ضلعه ! .. على حين وهن بعض المفسرين الروايات المتضمنة لهذا المعنى بأنها مشوبة بالاسرائليات ولا يمكن الاعتماد عليها (1) !
نقل الرازي عن أبي مسلم أن معنى "خلق منها زوجها" خلقه من جنسها فكان مثلها (2) !
فأصل البشر زوجان مخلوقان من جنس واحد أو مادة واحدة، فكأن الآية حسب هذا التفسير ابتغت أن تبرز فكرة التماثل والتساوي، وتضرب فكرة التمييز والمفاضلة بين شقي الإنسانية وتستبعد في نفس الوقت كل تفكير عنصري يقوم على تفضيل جنس أو شعب أو لون على جنس أو شعب أو لون آخر اعتماداً على مجرّد هذا الوصف!
ويميل الأستاذ محمد عبده إلى أن المتبادر من لفظ (النفس) بصرف النظر عن الروايات والتقاليد والمسلمات، أنها هي الماهية أو الحقيقة التي كان بها الإنسان وهو الكائن الممتاز على غيره من الكائنات (أي خلقهم من جنس واحدة وحقيقة واحدة) (3).
ويؤكد العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب "الميزان في تفسير القرآن" أن ظاهر الجملة، أعني قوله: "وخلق منها زوجها" أنها بيان لكون زوجها من نوعها بالتماثل، وأن هؤلاء الأفراد المبثوثين مرجعهم جميعاً إلى فردين متماثلين متشابهين، فلفظة (من) نشوئية، والآية في مساق قوله تعالى:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم 21).
"والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" (النحل 72).
" فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه" (الشورى 11).
ونظيرها قوله: " ومن كل شيء خلقنا زوجين" (الذاريات 49).
يقول صاحب المنار في تفسير آية الأعراف " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" :
الآية تدل على أن آدم كان له زوج (أي امرأة) ، وليس ما في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالى ألقى على آدم سباتاً انتزع في أثنائه ضلعاً من اضلاعه فخلق له منه حواء ، وأنها سميت (امرأة) لأنها من (امرئ) أخذت !! وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الاسرائليات !
ولا يتردد الأستاذ سيد قطب (مع حرصه الشديد على التزام المنهج السلفي) في تفسيره، بالتأكيد على نفس الاتجاه في هذه القضية، يقول: كل الروايات التي جاءت عن خلقها من ضلعه مشوبة بالاسرائليات ولا نملك أن نعتمد عليها ! والذي يمكن الجزم به فحسب أن الله تعالى خلق له زوجاً من جنسه فصارا زوجين اثنين، والسنة التي نعلمها عن كل خلق الله هي الزوجية : "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
فهي سنة جارية وهي قاعدة في كل خلق الله أصيلة، وإذا سرنا مع هذه السنة فإن لنا أن نرجح أن خلق حواء لم يمكث طويلاً بعد خلق آدم، وأنه تم على نفس الطريقة التي تم بها خلق آدم .
أما الأحاديث النبوية التي تعرضت لخلق المرأة والتي يبدو أها أوقعت كثيراً من المفسرين في شبكات الإسرائليات (باعتبار أن حواء خلقت من ضلع آدم) وذلك فيما يبدو بسبب التشابه اللفظي بين قصة خلق حواء كما وردت في التوراة وبين بعض الاحاديث مثل:
"إن المرأة خلقت من ضلع فإن ذهبت تقومها كسرتها وأن تدعها ففيها أود وبلغة"رواه أحمد والنسائي عن أبي ذر.
"إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرت وكسرها طلاقها" رواه مسلم والترميذي عن ابي هريرة.
"إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها تعش بها" رواه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك.
والمتأمل في هذه الأحاديث لا يجد فيها ما يستدل به من قريب أو بعيد على تأييد ما ورد في كتب اليهود من أن حواء خلقت من ضلع آدم! بل كل ما تضمنته توجيهات تربوية للرجال في التعامل مع النساء بالرفق والمودة بعيداً عن العنف والعجرفة مما يستبعد معه أن يكون موضوع الحديث هو المسألة التشريعية بقدر ما هو حديث عن نفسية المرأة، وتوجيه نبوي إلى ضرورة الرفق في التعامل معها وتجنب الشدة والعنف !! وقد جرت على عادة اسلوب العرب في التمثيل وتقريب المعاني المجردة في صياغتها (في صور حسية).
وذلك هو اللائق بالقائد في بيانه التوديعي للأمة (حجة الوداع) " أوصيكم بالنساء خيراً"، والمناسب لسياق الخطبة كلها والتي كانت عبارة عن مجموعة توجيهات في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والخلقي ولم تكن درساً في العلوم الطبيعية والبيولوجية!
النتيجة :
رغم ما قد يبدو من تشابه بين اعتبار أن حواء خلقت من (ضلع آدم) ، وبين اعتبارها خلقت من (جنسه) بعمل إلهي مباشر إلا أن الفرق في الحقيقة مهم جداً بين التأويلين على الصعيد النظري والعملي !
فإن الإلحاح وبدون دليل حاسم على التأويل الأول للنص القرآني لا يحمل بشكل واع أو غير واعي من أصحابه إلا تكريس (تبعية المراة للرجل) على الصعيد الاجتماعي وانمحاء شخصيتها وذوبانها في شخصيته وتكريس التمييز والافضلية على أساس الجنس مما يتنافى مع مقاصد الشريعة !
على حين أن التأويل الثاني - فضلاً عن مستنداته اللغوية الوجيهة وتساوقها مع جملة النصوص الواردة في الكتاب حول هذه القضية - هو تأصيل لمفهوم إسلامي وإنساني أساسي وهو ( تحقيق استقلالية شخصية المرأة وتحمل مسؤولية وجودها ومصيرها كاملاً).
تكتبها لكم
آلاء سامي
الأربعاء 11 إبريل 2012 - 19 جمادى أولى 1433 هجرى
المرجع : كتاب المرأة بين القرآن وواقع المسلمين لراشد الغنوشي.
....................................
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3، دار الشروق.
(2) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار، ص 330، المجلد الرابع.
(3) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار، ص 327.
يقول الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء".
إن أكثر الآراء انتشاراً في الوسط الديني يوم ظهر الإسلام ما ورد في سفر التكوين في الفصل الثاني:
من أن الله تعالى خلق آدم وخلق حواء من ضلعه الأيسر وهو نائم !
ورغم أن شيئاً من ذلك لم يرد في نصوص القرآن والسنة إلا أن جمهور المفسرين ذهبوا إلى اعتبار (النفس الواحدة) في هذه الآية وغيرها هي (آدم) وأن حواء خلقت من ضلعه ! .. على حين وهن بعض المفسرين الروايات المتضمنة لهذا المعنى بأنها مشوبة بالاسرائليات ولا يمكن الاعتماد عليها (1) !
نقل الرازي عن أبي مسلم أن معنى "خلق منها زوجها" خلقه من جنسها فكان مثلها (2) !
فأصل البشر زوجان مخلوقان من جنس واحد أو مادة واحدة، فكأن الآية حسب هذا التفسير ابتغت أن تبرز فكرة التماثل والتساوي، وتضرب فكرة التمييز والمفاضلة بين شقي الإنسانية وتستبعد في نفس الوقت كل تفكير عنصري يقوم على تفضيل جنس أو شعب أو لون على جنس أو شعب أو لون آخر اعتماداً على مجرّد هذا الوصف!
ويميل الأستاذ محمد عبده إلى أن المتبادر من لفظ (النفس) بصرف النظر عن الروايات والتقاليد والمسلمات، أنها هي الماهية أو الحقيقة التي كان بها الإنسان وهو الكائن الممتاز على غيره من الكائنات (أي خلقهم من جنس واحدة وحقيقة واحدة) (3).
ويؤكد العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب "الميزان في تفسير القرآن" أن ظاهر الجملة، أعني قوله: "وخلق منها زوجها" أنها بيان لكون زوجها من نوعها بالتماثل، وأن هؤلاء الأفراد المبثوثين مرجعهم جميعاً إلى فردين متماثلين متشابهين، فلفظة (من) نشوئية، والآية في مساق قوله تعالى:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم 21).
"والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" (النحل 72).
" فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه" (الشورى 11).
ونظيرها قوله: " ومن كل شيء خلقنا زوجين" (الذاريات 49).
يقول صاحب المنار في تفسير آية الأعراف " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" :
الآية تدل على أن آدم كان له زوج (أي امرأة) ، وليس ما في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالى ألقى على آدم سباتاً انتزع في أثنائه ضلعاً من اضلاعه فخلق له منه حواء ، وأنها سميت (امرأة) لأنها من (امرئ) أخذت !! وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الاسرائليات !
ولا يتردد الأستاذ سيد قطب (مع حرصه الشديد على التزام المنهج السلفي) في تفسيره، بالتأكيد على نفس الاتجاه في هذه القضية، يقول: كل الروايات التي جاءت عن خلقها من ضلعه مشوبة بالاسرائليات ولا نملك أن نعتمد عليها ! والذي يمكن الجزم به فحسب أن الله تعالى خلق له زوجاً من جنسه فصارا زوجين اثنين، والسنة التي نعلمها عن كل خلق الله هي الزوجية : "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
فهي سنة جارية وهي قاعدة في كل خلق الله أصيلة، وإذا سرنا مع هذه السنة فإن لنا أن نرجح أن خلق حواء لم يمكث طويلاً بعد خلق آدم، وأنه تم على نفس الطريقة التي تم بها خلق آدم .
أما الأحاديث النبوية التي تعرضت لخلق المرأة والتي يبدو أها أوقعت كثيراً من المفسرين في شبكات الإسرائليات (باعتبار أن حواء خلقت من ضلع آدم) وذلك فيما يبدو بسبب التشابه اللفظي بين قصة خلق حواء كما وردت في التوراة وبين بعض الاحاديث مثل:
"إن المرأة خلقت من ضلع فإن ذهبت تقومها كسرتها وأن تدعها ففيها أود وبلغة"رواه أحمد والنسائي عن أبي ذر.
"إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرت وكسرها طلاقها" رواه مسلم والترميذي عن ابي هريرة.
"إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها تعش بها" رواه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك.
والمتأمل في هذه الأحاديث لا يجد فيها ما يستدل به من قريب أو بعيد على تأييد ما ورد في كتب اليهود من أن حواء خلقت من ضلع آدم! بل كل ما تضمنته توجيهات تربوية للرجال في التعامل مع النساء بالرفق والمودة بعيداً عن العنف والعجرفة مما يستبعد معه أن يكون موضوع الحديث هو المسألة التشريعية بقدر ما هو حديث عن نفسية المرأة، وتوجيه نبوي إلى ضرورة الرفق في التعامل معها وتجنب الشدة والعنف !! وقد جرت على عادة اسلوب العرب في التمثيل وتقريب المعاني المجردة في صياغتها (في صور حسية).
وذلك هو اللائق بالقائد في بيانه التوديعي للأمة (حجة الوداع) " أوصيكم بالنساء خيراً"، والمناسب لسياق الخطبة كلها والتي كانت عبارة عن مجموعة توجيهات في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والخلقي ولم تكن درساً في العلوم الطبيعية والبيولوجية!
النتيجة :
رغم ما قد يبدو من تشابه بين اعتبار أن حواء خلقت من (ضلع آدم) ، وبين اعتبارها خلقت من (جنسه) بعمل إلهي مباشر إلا أن الفرق في الحقيقة مهم جداً بين التأويلين على الصعيد النظري والعملي !
فإن الإلحاح وبدون دليل حاسم على التأويل الأول للنص القرآني لا يحمل بشكل واع أو غير واعي من أصحابه إلا تكريس (تبعية المراة للرجل) على الصعيد الاجتماعي وانمحاء شخصيتها وذوبانها في شخصيته وتكريس التمييز والافضلية على أساس الجنس مما يتنافى مع مقاصد الشريعة !
على حين أن التأويل الثاني - فضلاً عن مستنداته اللغوية الوجيهة وتساوقها مع جملة النصوص الواردة في الكتاب حول هذه القضية - هو تأصيل لمفهوم إسلامي وإنساني أساسي وهو ( تحقيق استقلالية شخصية المرأة وتحمل مسؤولية وجودها ومصيرها كاملاً).
.
.
.
.
.
ولنا هنا وقفة !!
تكتبها لكم
آلاء سامي
الأربعاء 11 إبريل 2012 - 19 جمادى أولى 1433 هجرى
المرجع : كتاب المرأة بين القرآن وواقع المسلمين لراشد الغنوشي.
....................................
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3، دار الشروق.
(2) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار، ص 330، المجلد الرابع.
(3) محمد رشيد رضا ، تفسير المنار، ص 327.
5 التعليقات:
في سورة الأنعام يقول تعالى "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا"
لاحظوا هنا .. أن الله خلق نفساً واحدة .. ثم خلق من هذه النفس زوجها .. أي كما ذكرتِ من نفس طبيعة هذه النفس..
لكن، هل هذه النفس تدل على الرجل أم المرأة؟ لو تتبعنا الآية، سنجد أن هذا الزوج هو الذي يسكن إلى تلك النفس ويتغشاها لتحمل النفس حملاً خفيفا..
وكما هو متعارف .. الرجل هو من يتغشى زوجته..
أي أن النفس: الأنثى - حواء
وزوجها: الذكر -آدم
هذا ما يوضحه سياق الآية!
--
المعلومة من محاضرة للدكتور عدنان إبراهيم
بارك الله فيك على هذه الانارة .... كم نحتاج الى مراجعات شاملة لما ورثناه من كتب الاقدمين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكِ أختي على جميل ما ذكرتِ
أنا شخصيًّا كنتُ أظن أن حواء خلقت من ضلع آدم، وها قد أنرتِ علينا ببعضٍ مما لديكِ
بوركتِ..
وجزاك خيرًا
اجل والحمدلله فربي كرم بني ادم . . . ولكن هذه الاحاديث التي تحط من قدر ومكانة المراه تخدم الرجل كثيرا كثيرا فلذلك احتفظ بها واشهرها ونشرها
التوراة وخلق حواء :
ولدى مراجعة الفصل الثاني من سفر التكوين من التوراة نجد أن ما جاء فيه بهذا الشأن يطابق ما جاءت به الأحاديث القائلة بأن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم تماماً، وهذا الأمر مما يدعم فكرة تسرب هذه الإسرائيليات من التوراة إلى بعض كتب الحديث ومن ثم أخذت طريقها إلى الشعر والأدب، فهناك من الأدباء والشعراء من وجد في هذه الأحاديث مبرراً كافياً للتهجم على المرأة واتهامها بالاعوجاج
إرسال تعليق