بريق شمس

معظم الناس ينظرون إلى الأشياء التي تحدث ويقولون لماذا ؟ أما أنا فأنظر إلى الأشياء التي لم تحدث بعد وأقول لما لا

عندما كنت معلمة للمرة الأولى !


كنت أنتظر تلك اللحظة التي تسمح لي بممارسة هذه المهنة كما (أتمنى) ..
كنت أنتظر تلك اللحظة التي تسمح لي برؤية الصورة التي عاشت طويلاً في مخيلتي على أمل أن تصبح واقعاً .. 

تعليم بدون أدراج .. بدون علامات .. بدون أوامر .. بدون شروط .. بدون منهج مقيّد .. 
تعليم لا يلتزم بجلسة معينة .. ومواعيد محددة .. وساعات مبرمجة .. وأيام متشابهة.. وكتب مقررة.
تعليم يحترم الأنماط المختلفة للشخصيات .. 
تعليم يستقي قيمه من خلال التجربة والإحساس والخيال والمعنى والمجاورة والتعاون ..
تعليم يجسد مقولة سيدنا علي -كرم الله وجهه- (قيمة المرء ما يُحسنه). 
تعليم بدون أوائل ومنافسة ..
تعليم بدون كلمتي ناجح وراسب .. 
تعلم لأجل التعلم ..
معرفة لأجل الحلم الأكبر .. التحرر والحضارة .. لا لأجل الرتب والوظائف والمناصب والعلامات !

بدأت الفكرة عندما لاحت لي خاطرة بسيطة وهي : لماذا لا نستغل المدرسة بكل مواردها في العطل الرسمية ؟ كيف نغفل عن تلك المساحات الشاسعة التي بنيت وأسست خصيصاً لشبابنا ونبقيها متروكة لأسابيع وربما لأشهر ؟ 

من تجربتي بعمل الدورات واللقاءات المختلفة كنت أواجه تحديين : (1) الوصول للعنصر الشبابي ودعوته لهذه البرامج .. (2) إيجاد مكان مجهز لعقد الأنشطة .. وقد وجدت بأن المدرسة توفر لنا هذين الأمرين بكل بساطة (المكان والعنصر الشبابي) بدون أي جهد يذكر..

وفعلاً كانت البداية مع (مخيم النور الشتوي) لطلاب الصف الخامس والسادس والذي عقد لمدة ثلاثة أيام في مدرسة (دار الحكمة).

كان لدي ثلاثة أهداف مركزية من إقامة المخيم :

* الأول : فتح آفاق الشباب وجعلهم قادرين على رؤية مساحات جديدة من الحياة لا يوفرها لهم الإعلام أو الأسرة أو التعليم بصورته التقليدية بالعادة.

* الثاني : إطلاق ممكناتهم وطاقاتهم .. أن يشعروا بالقدرة (أنا أستطيع !).

* الثالث : أن يتعرفوا على سمات شخصيتهم بشكل أكبر وأن يعبروا عن أنفسهم بدون قيود.

من أجمل اللفتات التي أستطيع أن أكتب عنها :أن الطلاب المشاركين حضروا بأنفسهم بدون أي إلزام .. وكان من أهم قواعد المخيم (متى ما شعرت بالملل أو بأن هذا المكان لا يناسبك إنسحب بقوة).

بدأ المخيم بعرض تجربة سقوط القنبلة النووية على مدينة (هيروشيما - اليابان) والتي تسببت بمقتل آلاف السكان .. وهدم ما لا يقل عن 60% من مباني المنطقة .. كحادثة مروعة في تاريخ العالم .. وعن تجربة مواطنيها الذين أعادوها في 7 سنوات فقط لتصبح الآن من أقوى دول العالم وأكثرها تقدماً ( سواء اتفقنا على مفهوم التقدم الذي استقته اليابان لنفسها أم اختلفنا .. فلكل بلد وحضارة معاييرها). 

ثم انتقلنا إلى مشاهد من فلسطين حيث الجدار والحواجز العسكرية والمناهج المؤسرلة والتضييق في مختلف جوانب الحياة .. لنطرح الأسئلة التالية : 

(1) لماذا لا زلنا نخضع للاحتلال الذي لم يبرح أراضينا لما يزيد عن الـ 60 عاماً ؟
(2) ماذا نستطيع أن نفعل لأجل المساهمة بنهضة بلادنا ؟ 

(مساحة حرة للنقاش) .. 

طلبت من الطلاب بعدها أن يغمضوا أعينهم ويحلموا بفلسطين بعد 10 سنوات .. بدؤوا بعدها بالتعبير عن أحلامهم بشكل جميل جداً .. ثم بدأت بعرض بعض النماذج الفلسطينية الشبابية التي ساهمت بإحداث تغيير حقيقي على هذه الأرض رغم كل التحديات .. حاولت بعرض النماذج أن أختار شخصيات واقعية لشباب صغار ساهموا حقاً بإحداث تغيير حقيقي وأن أذكر لهم التحديات التي واجهوها قبل الإنجازات حتى أبتعد عن أسلوب التنمية البشرية !

ثم طلبت منهم أن يبدؤوا بتكوين سيناريو فيلم عن الأحلام التي يتمنون تحقيقها في ضوء الحلم الكبير (أن أحلم لأجل نفسي ولأجل أمتي)..

ثم اتفقنا على أن القاعدة الأولى لأي إنجاز هي أن نعيشه بأحلامنا ونؤمن به بقوة .. هو (أن نحلم) .. 

وكتطبيق فعلي لمفهوم (الحلم) قررنا أن نقوم بإنجاز ثلاثة أحلام :

- حلمنا أن نزرع ساحات مدرستنا .. 
- حلمنا أن نساعد إنساناً هو بحاجتنا .. (زيارة دار المسنين).
- حلمنا أن نفعل شيئاً معرفياً لأجل وطننا .. (تصحيح بعض المعلومات عن المسجد الأقصى في ذهن الناس).

وعندما قررنا أن نبدأ بتطبيق حلمنا الأول (زراعة المدرسة) .. تعمدت أن أدعو إحدى المهندسات الزراعيات والتي جاءت لتشرح لهم عن كيفية الزراعة والتدوير .. 

ليتعلم الأطفال المبدأ الثاني للتغير ألا وهو (أن نفهم) فأحلام بدون فهم حقيقي ستبقى بمحض الخيال ..

ليتكون الشق الثاني من المعادلة : 

(نحلم + نفهم) .. 

ثم كان التطبيق العملي .. حيث عمل الأطفال بأيديهم في طقس شديد البرودة (تحديات) لينجزوا حلمهم بزراعة المدرسة وتزينها .. وقد ساعد يومها الطقس الماطر على تجسيد صورة التحدي التي يأتي دائماً بصورة ملاصقة لكلمة حلم .. ليتعلم من ذلك الأطفال دروساً كثيرة ..

وليكتمل الشق الثالث .. 

(نحلم + نفهم + نعمل = تحقيق ما نتمنى) ..








كررنا تلك الشروط الثلاثة على كل من المهمة الثانية والثالثة .. 

حيث حقق الطلاب حلمهم الثاني بمساعدة شخص يحتاجهم متعلمين بتجربة زيارة المسنين دروساً كثيرة في الإنسانية لا يستطيع أن يعلمها لهم كتاب ولا معلم واعظ..
هناك أطعموا المسنين بأيدهم .. حضنوهم .. غنوا لهم .. وأحضروا لهم بعض الهدايا ..





وكذا .. ساروا في شوارع القدس مستنشقين عبق الوطن والذي لا يستطيعون أن يستشعروه طالما بقوا مقيدين وراء أدراجهم حبيسي أربعة جدران تسمى (الصف).

هناك ساروا في شوارع القدس العتيقة .. ليقفوا تارة عند أحد (السنتوارية) ليناقشوا معه سبب بيعه لمنتجات تراثية مكتوب عليها كلمة (اسرائيل) .. ويقفوا تارة على مطلة (الهوسبيس) ليروا ربوع القدس بتناقضاتها بمشهد رائع .. وليجلسوا في مطعم شعبي ليأكلوا الحمص والفلافل ويشربوا عصير الليمون .. وليشتروا لهم ولذويهم بعض الهدايا .. لتكون المحطة الأخيرة في المسجد الأقصى .. حيث صلوا هناك صلاة الظهر جماعة وقاموا بتصحيح معلومة (الأقصى كل ما داخل السور) لـ 100 شخص في 20 دقيقة (كتمرين يعلمهم شدة غياب الوعي عند الناس حول القدس وكذلك ليشعروا بـ(القدرة) على التغيير) .. 













مع الأطفال هناك لم أكن معلمة ولم تكن تلك الحواجز .. أكلت معهم .. ركضت معهم .. تسابقت معهم .. التقطنا لبعضنا الصور .. ضحكنا معاً .. سرنا بشوارع القدس معاً .. تألمنا معاً في دار المسنين .. تناقشنا كثيراً .. لعبنا .. 

هناك كانت مجاورة حقيقة التغت معها الألقاب ولم يبق إلا (شغف) لأجل المعلومة والإنجاز .. 

بالنهاية ما كان هذا الحلم أن يكون لولا سعة صدر الإدارة التي لم تعترض طريقنا بل على العكس وفرت لنا كل الدعم .. ولولا وقوف زميلاتي بجانبي أخص بالذكر أ.دعاء الشريف و أ.أسيل اسماعيل و أ.آلاء مشعل .. اللواتي دعموني بالفكرة .. وكانوا معي من اللحظة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة .. مقدمين لي وللأطفال كل الحب وكل العطاء وكل المساعدة وكل الدعم ... 

ليكون هذا الحلم .. وليكون هذا النور ..

أبعدوا "كاميراتكم" لا أريد أن أتصور !

عندما ننظر إلى الأمور من زاوية مختلفة يتغيّر الكثير! جميعهم يحملون كميراتهم ويتدافعون لأخذ صورة مع تلك الأهرامات العريقة، وأنا أبحث عن أكوام الحجارة المتبعثرة بجانبها .. فقد قالوا لي بأن آلاف الرقيق دفنوا أسفلها في مقابر جماعية، بعد أن أنهكهم التعب وهم يحملون ملايين الألواح الحجرية ويقطعون مسافة تقدر بتسعمئة كيلومتر مشياً على الأقدام من أسوان إلى القاهرة !


 تسعة أهرامات هي رمز للحضارة المصرية راح ضحيتها آلاف الرقيق البؤساء، والذين كانوا يتساقطون كأوراق الخريف الذابلة من شدة التعب، ثم تلقى أجسادهم النحيلة في مقابر جوفاء محفورة بالقرب من تلك الأهرامات، ليس بهدف تقديرهم، بل بهدف أن تخدم أرواحهم حجارتها وهم أمواتاً .. كما كانت تخدمها أجسادهم وهم على قيد الحياة !


 جميعهم يبتسمون للصورة وخلفهم الهرم، وأنا لا أرى في المكان إلا قصص أولئك الضحايا المقهورين، هم يرون أهرامات ويشعرون بالنشوة لأنهم وصلوا إليها أخيراً، وأنا إذا ما نظرت إلى حيث ينظرون لا أرى إلا انعكاسات لوجوه بريئة ذابلة راحت ضحية شجع فرعون لا يرى بكل الوجود إلا نفسه !


 أحياء يموتون، لأجل صناعة قبر لفرعون لا زال حياً يرزق.. نعم، هذه هي المعادلة.



 واذا ما ساروا فوق سور الصين العظيم، تركتهم وأخذت أنظر بين الشقوق علني أجد شيئاً من ذكرى لواحد من آلاف المستعبدين الذين كانوا يتساقطون صرعا من شدة التعب فيدفنون ويستمر العمل بعدهم، أتركهم بانذهالهم، وأبحث بين الشقوق علني أستمع إلى أنفاس جدي المقهور والذي رُمي هو وفأسه بين جنبات السور دون أي مبالاة، فإذا ما اكتمل العمل أقيمت الاحتفالات ووضع عنوان عظيم "هيا وانظروا، هيا وارفعوا الكؤوس .. هنا شيء من عجائب الدنيا السبعة ! ".


 القصور العظيمة، والكنائس الضخمة، والأسوار العملاقة، والجبال المنحوتة، والقلاع الشاهقة كلها ترعبني لأنني أعرف بأن ما وراء الحكاية العظيمة التي تروى لنا حكايات أخرى مكتوبة بدماء إنسان مظلوم راح ضحية خرافة آمن بها فرعون .. أو جشع ملك .. أو موعظة كاهن استخدم اسم الدين ليرضي أهواءه وسلطة أصحاب القصور.


 أسير تحت خيوط الشمس الأخيرة وهي تودع الأرض بشفق أحمر عذب، وأفكر...
 أنا لا أتوق لحضارة المبنى، بل إن أوصالي ترتعد من أي بلد تصنف نفسها على أنها حضارية على أساس أبراجها ذات الرؤوس التي لا ترى.


 أنا لا أتوق لحضارة يذكر فيها اسم شخص ويغيب بها أسماء ملايين راحوا ضحية لأهوائه. أنا فقط أبحث عن حضارة (النبي)، تلك الحضارة التي يؤذن بها كل يوم تراتيل آية تصدح " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الأئمة ونجعلهم الوراثين". أنا أبحث عن حضارة وسعت بلال .. قبل أن تسع عثمان .. وضمت ياسر قبل أن تضم خالد .. واعترفت بالإنسان قبل أن تعترف بالمبنى ..



نشرت في شبكة قدس في 14-3-2013


عندما يحوّل "التوجيهي" البشر إلى أرقام !

 هذه هي السنة الأولى التي يتكشف لي المشهد من زاوية أخرى، ولعلي لأول مرة أصفع هذه الصفعة بهذا القدر من الألم. كنت أتابع من بعيد كل الأحداث بصمت عجيب. كيف نستطيع أن نعيش في "الوهم" إلى هذا الحدّ؟ هذا هو السؤال الأكثر فتكاً بعقلي منذ أن بدأت التبريكات تملأ صفحات الفيس بوك والمفرقعات النارية تجتاح سماء الوطن!

ولتستحضروا معي المشهد أدعوكم لمرافقتي في هذه المحطات الثلاثة :

المحطة الأولى :

في كل عام يدخل قرابة المئة ألف طالب وطالبة الصف الأول الابتدائي، بهدف تحصيل العلم والمعرفة. يوزعون على كنتونات صغيرة تسمى "الصفوف"، تحت إطار مؤسساتي يسمى ب "التربية والتعليم"، يفرض على العينة جميعها أن تجلس نفس الجلسة، أن تتعلم بنفس الطريقة، بنفس الأسلوب، نفس الكتب، نفس المعلومات، نفس النظريات والمعادلات الجاهزة، أن ترسم نفس اللوحات، أن تنشد معاً نفس الأناشيد، أن تسأل نفس الأسئلة، أن تستمع إلى نفس الإجابات، أن تخضع لنفس الإختبارات، أن تقييم نفس التقييم.




يفرض على كل أولئك الأطفال أن يرددوا ما لا يشعرون به، أو يمثل شغفهم الحقيقي، أن يحفظوا ما لا يؤمنون به أو يقتنعوا به اقتناعاً حقيقياً، أن يستعملوا خيالهم وعواطفهم فقط عندما يؤذن لهم -ربما في حصة التعبير وبمواضيع مختارة من قبل الأستاذ- أن يقولوا ما يرضي ثلاثة (المنهاج، الأهل، الأساتذة) حتى يحصلوا على الرضى والتكريم والمباركة المجتمعية .. أن يعيشوا في سباق مع الآخرين .. سباق لا معنى له وما هو إلا انعكاس لمصطلحات العصر الحديث (التنافس .. الأرقام .. العلامات .. المراتب .. الألقاب) مما ينتزع من الإنسان فرديته الحقيقية ويضعه دائماً في موقع المقارنة مع الآخر!


 المحطة الثانية :

في عمر السادسة عشرة يتعرض أولئك الطلاب إلى الفرز الأول، حيث يتم توزيعهم إلى فروع أربعة (علمي، علوم إنسانية، صناعي وتجاري، مهني)، وعادة من يحدد هذا الفرز هو لغة الأرقام أيضاً، لا الشغف ولا الميول ولا الحاجة. إذ وحسب ما يقتضيه المجتمع الرأسمالي- الاستهلاكي اليوم فإن الطلاب ذوي المعدلات الأعلى وجب أن يساقوا إلى الفرع العلمي مع هالة من عبارات التبجيل والتهليل على أنهم الأكثر نبوغاً وذكاءً .. ثم يساق الطلاب "الأقل حظاً" في عالم الأرقام إلى الفرع الأدبي، مع إشعارهم بالنقص الشديد وبأنهم الأقل إبداعاً واجتهاداً.



أذكر أن أحد الأساتذة أمر طلاب الفرع الأدبي بالوقوف جميعاً عندما دخل زميلهم من الفرع العلمي إلى الصف احتراماً وتقديراً له! يفعل المجتمع هذا مستغفلاً بأن ما يميزنا كعالم عربي في الحقيقة هو التنوع الحضاري والثقافي والعمق التاريخي والتنوع الجغرافي والتعددية في المنطلقات والفلسفات والأديان وأساليب العيش والزخم التعبيري والبعد الروحي… ومن تبقى دون الفرعين الأولين يخير بأن ينتقل إلى الفرعين المتبقيين أو يحمل أمتعته ويرحل .. وكأن الأفرع المتبقية هي مجرد حل للأعداد المتبقية!

المحطة الثالثة  :

الناجي من تلك (النسخ) أقصد الطلاب، يصل إلى (المحطة الأخيرة) والتي يطلق عليها اسم (الثانوية العامة - التوجيهي)، ليخضع إلى (امتحان مصيري) يحدد (مستقبله) (وتخصصه المهني) - أنظروا المصطلحات- وفق نظام تعليمي من صناعة بشر مثله يرون بأنه المعيار الحقيقي لنجاح الإنسان وفشله!

ولو تأملت تلك الكتب التي يمتحن بها كل هذا الكم من البشر لأصابك صدمة حقيقية .. ومع ذلك اعتبرت هذه الكتب "معرفة " وأصبحت معياراً للتفوق .. ولتصنيف الناس إلى ناجح وفاشل .. بل وأصبحت الحكم الأول والأخير الذي يحدد إكمال المسار واختيار التخصص الذي يتوق الإنسان إلى إشغال عقله وحواسه وعواطفه به !

 هذا العام تقدم لامتحان الثانوية 85910 طالباً. من بين ال 85910 لم نسمع سوى عن قصص أولئك الذين حطموا الأرقام القياسية ولم نر على صفحات الفيس بوك سوى أسماء من نجح بتقديرات عالية إلا أن ال 35000 طالب الذين فشلوا بمطاوعة ذلك النظام "الاستحماري" "ولم يحالفهم الحظ" في اجتيازه لم نسمع عنهم شيئاً .. أولئك الذين ألصقت بظهورهم كلمات العجز والفشل وأهدوا من المجتمع لقب "راسب" .. "ساقط" .. وهم في عمر الثامنة عشرة ربيعاً لم نعرف حتى أسماءهم .. وعلل السبب بأنهم "فشلوا" لأنهم لم "يجتهدوا"؟

ثلاثة طلاب بعمر الزهور "انتحروا" من فرط خوفهم من معاقبة الأهل أو بسبب عدم قدرتهم على تحمل كل تلك "الهزيمة" التي حملهم إياها المجتمع .. وضعت صورهم كأي خبر هامشي .. وراح المجتمع يلهث ليقيم الحفلات والمهرجانات ويبدأ حملة التبريكات "لأوائله" وكل من سجل أرقاماً تستحق بمنظوره التكريم.

آلاف الأحلام اغتيلت قبل أيام .. سواء للذين لم يجتازوا الامتحان بنجاح .. أو للذين لم يحصلوا أرقاماً تسعفهم لإكمال المشوار الذي يتمنوه .. وكل ذلك على مرأى من المجتمع والمؤسسات والناس.

 لا يجبر الناقد على استحضار حلول سحرية في العادة، فأنا أعرف بأن المنظومة التعليمية بالكامل تحتاج إلى عمل جبار من قبل الأفراد والمؤسسات والحكومات. ولكن كل كلماتي السابقة ما هي إلا دعوة لكل قارئ ليعيد تعريف معاني "النجاح" و "الفشل" وسط هذه المنظومة الجاحدة. ما هي إلا دعوة لنحاول الخروج من "الوهم" الذي ننقاد إليه في كل عام .. فتصبح قيمة شبابنا وبناتنا ذلك (الرقم) الذي يهديهم التوجيهي إياه محدداً مصيرهم وأحلامهم.

هذا المقال ما هو إلا تذكرة لإعادة قراءة الآية الكريمة (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) فطرق التعلم كثيرة وغير محصورة بذلك الطريق الذي صنعه البشر وكانوا أول ضحاياه .. ما هي إلا لفتة لنتأمل قول علي بن أبي طالب بعمق شديد " قيمة المرء ما يحسنه".. ما هي إلا صرخة لنتحرر من منظومة المجتمعات الأوروبية الاستهلاكية ونغوص في أعماقنا لنستخرج من رحم هويتنا وثقافتنا وروحنا ما يليق بنا وبشبابنا.


نشرت في شبكة قدس في 27-7-2013



الحُب يتعرض إلى هزات .. والخطوبة المثالية وهم !



يبدو أن الأفلام الرومنسية والأغاني الممزوجة بكلمات الحُب المُتدفق قد صنعت عقدة بل وأزمة في الوعي الجمعي للأمة .. فأصبح الجميع ينتظر أن يجمعه القدر بنصفه الآخر ليعيش معه ذلك الحُب الملائكي الخالي من التعثرات والمشاكل والأزمات ..

وقد حالفني الحظ لأن أكون الإنسانة المقربة من صديقاتي أثناء فترة خطوبتهم.. وقد أضحى لدي وعي مختلف تماماً بعد أن عاصرت تجاربهن وعايشت تخبطاتهن ومشاكلهن وتعثراتهن في تلك الفترة وحتى السنة الأولى من الزواج .. 



قالت لي إحدى صديقاتي يوماً : آلاء النظرة المثالية للخطوبة كادت أن تدمرني ! كنت أقول لماذا يحدث معي هذا مع أن البشر كلهم حولي يتنعمون بالرومنسية المطلقة ! حتى أنني بت أشكك باختياري !
ثم اكتشفت أن حكمي واهي .. فأنا قد حكمت على التجارب حولي من جراء صور الفيس بوك .. والاستماع إلى القصص التي يتفنن الناس في البوح بها في العادة عن السعادة الغامرة .. (ومن المعروف أن مجتمعنا لا يبوح إلا بما هو جميل أما التعثرات فتبقى داخل البيوت محصنة) ..

الشراكة وخاصة شراكة الارتباط تعني (الاندماج) بشكل كبير جداً .. وأنت هنا تتحدث عن شخصين من عالمين مختلفين .. من جنسين مختلفين .. من بيتين مختلفيتن .. يحملان تصورات ومفاهيم وأفكار مختلفة عن الحياة .. ناهيك عن اختلاف الشخصيات والأذواق والتعبير عن الحزن والفرح بينهما .. ناهيك عن اختلاف الطبائع بحكم الجنس فالأنثى تختلف بالكثير من الخصال عن الرجل والثقافة في مجتمعنا عن هذا (معدومة) ..

فالطبيعي .. لكل ذي عقل أن اندماج هذين الشخصين لن يكون بالشيء السهل .. والصحي أن يحدث هناك هزات واعية وعقلانية تكشف لكل شخص أسارير الشخص الآخر .. ليكبر الحب ويقوى ويرتكز على أسس متينة وقوية !

وكلما كان نضج الشريكين أكبر .. كلما كان عليهما أن يضعا نصب أعينهم بأن هزاتهما ستكون بحجم وعيهم .. وبحجم أحلامهم .. وبحجم البيت الذي يطمحان بتعميره وبنائه ..

الحُب فعل تراكمي .. يبدأ بالإعجاب والانبهار (وهذا ما سلط الإعلام كل الأضواء عليه وأغفل كل المراحل الأخرى وهذا ما سبب عقدة كبيرة عند الكثيرين) ثم تبدأ مرحلة الاكشتاف فيبدأ الطرفين برؤية مشاكل وعيوب بعضهم البعض .. ثم مرحلة التعايش وهي الأكثر كمالاً ونضجاً .. عندما نعرف مشاكل الآخر ونستيطع تفهمها واحتوائها ..
وهنا ميزات فترة الخطبة لمعرفة هل نستطيع الاستمرار لنصل إلى التعايش أم لا؟

ذلك الحُب الذي تعرضه الأفلام والمسلسلات والأغاني هو (قمة) ما يحدث من مشاعر ولكنه لا يعبر عن الديمومة .. حتى جسم الإنسان يفرز في مرحلة الإعجاب والانبهار هرمونات مختلفة عن التي يفرزها في فترة العلاقات الطويلة (الزواج)..


الحب ليس مثالي ويتعرض إى هزات بحكم الحياة ..

حتى الرسول -عليه السلام- تعرض مع حبيبته عائشة إلى حادثة الإفك !! و تعرض مع حبيبته خديجة لحياة مديدة فيها أطفال و أزمات و زلزلات مثل بداية رسالة جديدة ثم موت أبنائه الذكور و مع هذا ظل الحب على رقيه و خلوده..

أستاذة بثينة الإبراهيم -التي جالستها شخصياً- والتي يرى فيها الكثير من الشباب وفي دكتور طارق سويدان النموذج الرائع للعلاقة لولا رجاحة عقليهما وتغلبهما على الكثير من الظروف لما استطاعا الوصول إلى هذا النموذج الراقي..

كما أن صديقاتي ممن ارتبطن بمن يعادلونهم بالفكر والمنطق والتصورات واجهوا الكثير الكثير من التعثرات ..

وأنا أنظر اليوم إلى (اليمثاق الغليظ) الذي وضعه الله سبحانه وتعالى بنظرة الحامد الشاكر لهذا العدل وهذه الرحمة وهذا الجمال المطلق .. فالله قد وضع بين الشريكين ميثاقاً غليظاً يعيدهما من جديد كلما ابتعدا .. واسماه بالغليظ ليبقى محتوياً لكل التعثرات البشرية التي ستكون بلا شك بين أي اثنين مهما بلغ الحب بينهما ..

لذلك نرى بأن المخطوبين أو المتزوجين أقدر على حل مشاكلهم والصعود والرقي بأنفسهم ومحاولة ترميم أي ثغرة تنجم بينهما من الأشخاص الذين لا يربطهم أي ميثاق والذين يرون بالخروج من العلاقة سهولة أكبر ! ..

ونعم، الآن أنا أؤمن بأن المحافظة على الاستمراية أصعب من إيجاد الشريك نفسه .. وأنهم قلة أولئك الذين يحافظون على حبهم ويجعلونه ينمو بعقلانية متناهية ..

نعم، الآن أؤمن بأن التعثرات قد تكون دليل (نضج) ولا تستدعي كل هذا الهلع ..

نعم مشروع الزواج كأي مشروع و(حلم) ناجح يستدعي الكثير من الجهد ليكتمل ويزهر ويثمر  ..


آلاء سامي
15-12-2013

هل سيفهم ؟


- يعني إنت شو عملتي لهلأ .. إحكيلنا بالله عن إنجازاتك ؟ إحكيلنا بالله شو استفدتي وشو نتيجة كل الي انت مضيعة وقتك عليه ؟


للأسف أنني دائماً أوضع تحت مقصلة هذا السؤال كلما رفضت شيئاً ما في المجتمع .. أو انتقدت شيئاً أو عبرت عن عدم الرضى عن شيء ما .. أو يأتي بعد إنجاز متواضع تطلب مني الكثير من الوقت والجهد والتفكير .. فيأتي السائل ويطرح هذه الأسئلة وكأنه يستعد للاستماع إلى قائمة براقة ..


كنت في السابق أعتقد أن الإنجاز فعلاً يجب أن يكون (مادي) .. خاصة أن هذا ما عزز فينا من قبل مدربي دورات التنمية والأهل والمجتمع.. أن تؤلف كتاباً أو تقوم بتقديم برنامج إعلامي أو تخترع اختراعاً .. أو تأتي بشهادة دكتوراة ... أو تحدث معجزة ما تقلب فيها حال بلادك ..

هل يسمح لي السائل أن أقول له بأن رصيد إنجازاتي حالياً هو ..

- أنني بدأت أستمع لمن حولي بإنصات أكبر ؟

- أنني بدأت أتأمل نفسي بشكل أعمق؟
- أنني فهمت معان ومشاعر جديدة في الحياة كالخوف .. كالإنكسار .. كالضعف .. كالإرادة .. كالشغف !! ..
- أنني بدأت أسمح لنفسي بمستوى أعلى وأجرأ من الأسئلة ..
- أنني بت أفهم حقائق أكبر عن معنى الألوهية ..
- أنني اكتشفت فداحة جهلي ببلدي وقضاياها !
- أنني عرفت قصة إحدى الفتيات وهي عائدة إلى يافا بعد ال 48 وعن كل الذي لاقته بالطريق فسالت من عيني دمعة غيرت شعوراً ما في داخلي لا زلت حتى الآن أجهل معانيه ؟
- أنني لم أيأس حتى الآن وأنا أبحث عن مجالي في الحياة ؟
- أنني أصبحت أكثر إحساساً بالناس .. وأكثر صدقاً مع نفسي ؟
- أن قبضتي أصبحت أقوى ! 


هل سيفهمني السائل لو قلت له بأنني لا زلت بمرحلة تكوين ذاتي .. بأنني لا زلت بمرحلة البناء .. بأنني لا زلت أبحث عن إجابات ؟ ! ..

هل ستكفيه القائمة أعلاه .. ويعتبرها إنجازاً ؟ 

هل سيقبلني ؟

هل سيفهم بأن عدم رضاي أو تقبلي للواقع لا يعني إلا شيئاً واحداً .. وهو البداية المأمولة للتغير .. ؟ على الأقل لتغير ذاتي أنا !

هل سيفهم أن الإنجاز الخارجي بدايته بناء داخلي .. قد يتطلب أعواماً ..



هل سيفهم ؟

يوم ميلاد استثنائي ..

انقطاعي عن التدوين كان من ثماني أشهر تقريباً .. السبب أن كل ما كان لدي (قلته)..  سواء من خلال المدوّنة أو النقاشات الفردية والجماعية  أو الدروات التدريبية التي عقدتها في السابق ..

أما هذه المرحلة من حياتي .. فهي مرحلة تنويرية جديدة .. أحاول من خلالها إفراغ ذهني مما احتواه .. لأعيد ملؤه بجديد .. ربما قد ينقلني قفزات جديدة .. لأستطيع بعدها أن أشق طريقاً آخر.. طريقاً مختلفاً عن كل الطرق المنسوخة حولي ! ..

ولكن (1-5) أجبرني على الكتابة من جديد .. هذا اليوم الاستثنائي من حياتي ضغط علي بكل قوته لأكتب بكثافة ولا أختزل تفاصيله بخواطر سريعة على ال Facebook ..

العام الماضي وفي 30-4 -أي قبل مولدي بيوم واحد فقط- وصلتني منحة قبول من "أكاديمية إعداد القادة" .. واعتبرتها هدية الله لي :).
أما هذا العام فقد أكرمني الله ب (3) أحداث استثنائية .. سأفرد لها هذه التدوينة الخاصة لتبقى في محفظة الذاكرة ..
فثمة تفاصيل لا تضيع في زحام الذاكرة .. ثمة تفاصيل أؤمن بأنها هي (الذاكرة) !!


(1) فداء التي تعرفني أكثر من (نفسي) ومن (أمي) ومن (وطني) ..

فداء .. تلك الفتاة التي التقيتها على قارعة الطريق وصفحة القدر توجت عروساً في 1-5-2013 .. ولا أؤمن بأن ما حدث كان لمجرد الصدفة . لأن ما جمعني بفداء قوة أعظم من أي صدفة .. وها هي تلك القوة تشاء أن يكون مولدي وزواجها في نفس اليوم!

جمعني الله بفداء ما يقارب ال3 سنوات .. وقد كانت خلالها بمثابة هارون لموسى ..
فداء هي الشخص الوحيد الذي عرفني بكل ملامحي وتفاصيلي ..

في أول محاضرة لي بجامعة القدس كانت فداء تجلس على الكرسي القريب مني لتبقى روحها قريبة من روحي .. فتشد من أزري، وفي ذلك اليوم الذي طلب مني أن أكون عريفة الحفل في منتدى شارك الشبابي، كانت فداء تنتظرني من الساعة  التاسعة صباحاً لتقلل من توتري .. تمسك كلمات العرافة وتسير بجانبي ذهاباً واياباً وهي تردد الكلمات معي حتى اتقنها جيداً، وفي أول تصوير لي عن "موضوع القراءة" أتت خصيصاً لتشاركني حتى انتهاء التصوير بالكامل .. حتى ساعاته المتأخرة..

في حفل تخرجها أبت أن تكتب أي كلمة وأصرت على أن تلقي نفس الكلمة التي ألقيتها أنا في حفل تخرجي !
وقبل أن أقدم طلب الالتحاق في أكاديمية إعداد القادة ..  جلست بجانبي تحت شجرة في المسجد الأقصى وأنا أكتب الكلمة المسجلة وهي تشجعني بحرارة ومرح .. وأثناء وجودي بتركيا حدثتني لساعات على السكايب لترفع من روحي المعنوية وترتقي بعزيمتي .. وفي إحدى دوراتي أتت خصيصاً لتحضر وتنقدني ..

فداء شخص لا أترجم معه كلماتي .. ولا أرتبها .. ولا أفكر قبل أن أبوح بها .. فداء كانت تعرف كل ما يجول داخلي من مجرد التقاء عيني بعينيها ..
فداء .. علمتني الكثير من معاني الإنسانية .. بالرغم من كل الظروف الصعبة التي مرت بها .. علمتني الصبر والنقاء والجمال والرحمة .. جعلتني أكثر روحانية وإيماناً .. قربتني من الله أكثر ..

لا أعرف كم مرة جبت مع فداء ساحات المسجد الأقصى ونحن نتحدث في كل مواضيع الدنيا .. ولا أعرف كم مرة حدثت فداء عن أحلامي وكم مرة حدثتني عن طموحها .. ولا أعرف كم مرة أرسلت لفداء خططي وتصوراتي عن الحياة وبحت لها بكل خلجات نفسي.. ولا أعرف كم مرة قطعت ما يقارب ال10 كيلومتر من رام الله إلى الحاجز وأنا أسير مع فداء أو أتحدث مع فداء .. ولا أعرف كم مرة ضحكت مع فداء حد التعب..

قمة الجنون أن تتصل بأحدهم على الرابعة فجراً وتقول له أنا بحاجتك .. هناك موضوع شائك لا أستطيع انتظار الفجر حتى أناقشك به .. أنا فعلتها مع فداء! ..
قمت الجنون أن تقرر يوماً أن تذهب إلى مقبرة وكنيسة وخيمة اعتصام للتتعلم الفلسفة .. أنا فعلت هذا مع فداء ..

قرأت مع فداء أجمل كتبي .. جلست معها في رمضان أردد الحكم العطائية .. غنيت معها على شاطئ نهاريا لحمزة نمرة وفيروز ومارسيل .. ذهبت معها إلى عكا .. صعدت معها جبال الجليل مرتين.. طفت معها حارات وشوارع القدس حتى حفظتنا وأكلت معها عند العم أبو شكري حمص وفلافل حتى امتلأنا بعبق المدينة المقدسة.. كتفي كان ملاصقاً لكتفها في التراويح .. وقلبي كان مصافحاً لقلبها من اليوم الأول الذي عرفتها به ..

ودعت فداء بطريقتي الخاصة .. على مطلة جبل المكبر ..
كنت دائماً أظن بأنني لن أودع فداء .. وها هي المشيئة تقتضي أن نفترق لسنوات ..
كنت أظن بأنني لو ودعت فداء يوماً سأكون قد حددت طريقي ورأت هي طريقها ..
ودعتها وطريقي مجهول .. وودعتني وطريقها غير واضح المعالم ..

تعبت كثيراً مع نفسي في الأشهر الماضية وأنا أقنعها بأن فداء ستسافر .. وأحاول أقلمتها على ذلك..
كانت نفسي بعد كل محادثاتي معها .. تسألني سؤالاً واحداً ..
"لماذا جمعني الله بفداء وقرب من أرواحنا إلى درجة الروح الواحدة ثم أمر أن تنفصل طرقاتنا من جديد ل3 سنوات قادمة؟"..
وكنت بعد سؤالها أصمت ومن ثم .. أبتسم ..

فداء .. يا شقيقة الروح ..يا من جعلتيني إنساناً أجمل وأنقى وأعذب ..
 لك من روحي السلام ..
ومن قلبي عهد وفاء بأنك ستبقين مخلدة به ..
لن أعدك بأنني (لن أتخلى عنك) حتى لو أبعدتنا المسافات .. لأنك قلتي لي عبارة لن أنساها ..
"آلاء .. قولي لله أن يحافظ هو على صداقتنا .. فنحن اجتمعنا من خلاله وفي سبيله .. والله لا يفرق بين الأرواح" ..

فداء .. أيا شقيقة الروح .. يا حفيدة علي أبو الحسن .. ..يا أيتها السباحة الماهرة .. يا محبة الشاي الأخضر .. يا ابنة الأقصى ..   يا أجمل وأرقى وأعذب من عرفت  ..

 كوني بخير
 لأجلي .. لأجل القدس .. لأجل  أحلامك .. لأجل كل الأرواح التي تحبك ..
عديني بذلك :) .. 
.
.








زدني .. حُلمي

في الايام الأخيرة التي قضيتها في اسطنبول .. كنت إذا ما أسدل الليل غطاؤه الذي يقربنا من أنفسنا ويلغي كل حاجز بين الضمير والنفس والقلب .. جلست أتفكر ب(ماذا بعد ؟) .. ماذا بعد العودة ؟
وكان عندي جوابين فقط لكل تلك الأسئلة التي كانت تنهمر على عقلي المتعب ..

الجواب الأول : أن (خيري) هو لهذه البلاد .. فلسطين .. فأنا لم أشعر بحبي العظيم لكل ذرة تراب في وطني إلا عندما خرجت منه .. 
كنت كلما وقفت مع مجموعة شبابية وسمعتهم يتحدثون عن إنجازاتهم في بلادهم طار قلبي إلى فلسطين حباً وألماً وأملاً .. 
إحساساً عظيماً كان يشدني لكل شارع منها وحارة .. شعرت كم هي محفورة بداخلي وكم أنا جزء منها .. 
كان رجائي دائماً ولا زال .. أن أكون لها .. لترابها .. لفلسطين ..
كان قراراً -وأدعو من الله أن يساندني لأجله- أن أعيش لأجل أن أكون لها ولشبابها.. 

الجواب الثاني : بمجرد عودتي كنت عازمة على قرع أبواب نادي زدني طلباً للتطوع به ..
وهناك ويال الدهشة وجدت فتية الكهف .. وجدت من قال الله فيهم " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" .. 
زدني .. حلمي الذي كنت دائماً أحلم به .. وقد منّ الله علي بأن أجده متمثلاً أمامي ..  وجهاً لوجه .. 
زدني .. الذي كسر الحدود .. وأعاد لملمة فلسطين التاريخية ب (اقرأ) .. ب(فكر) .. ب(تأمل) ..
زدني الذي استطاع خلال العام الماضي فقط أن يصل إلى 13 مدينة فلسطينية منها (القدس .. غزة .. إم الفحم .. رهط .. طوباس . .رام الله .. نابلس .. جنين .. بيت لحم .. طولكرم .. وغيرها الكثير) ..
زدني الذي حاول ويحاول الخروج عن الكثير من المسلمات والحديث الخطابي المعتاد وجلسات المثقفين المملة .. ليصل إلى أرواح الشباب وعقولهم مباشرة..
زدني الذي سيصبح -على عين الله- وأنا موقنة .. أعظم تيار معرفي يجوب فلسطين من شمالها إلى جنوبها ..
زدني الذي وجدت به نفسي وحلمي وأملي ومستقبل بلادي الذي أتوق إليه .. كان ميلاده في نفس يوم ميلادي 1-5 ..
وأنا لا أؤمن بالصدف :) 








حلقة دون الزرقاء .. 

كانت رواية " الضوء الأزرق" من أكثر الروايات تأثيراً بي .. حتى أن طريقة قرائتها كانت مميزة .. فقد قرأت الكثير منها على طريق رام الله -نابلس بين الجبال الخضراء .. وناقشتها مع ثلة شبابية راقية في أحد الصالونات الزدنوية في نابلس المدينة الأقرب إلى روحي بعد القدس ..

هناك مقطع من الرواية أذكر بأنه هزني بقوة  وقتها وقرأته عدة مرات .. كان المقطع يقول : 


ليلتها جاءني "دون" على بيتي، لحيته تقطر مطراً وهيئته يرثى لها ، وفي يده حلقة خشبية متسخة ومبلولة.
فناولني حلقة الخشب قائلاً:
"هذه هدية لك، وجدتها في صندوق القمامة".
"وما هي دون ؟".
"خذها .. هذه هي العقل.. دائرة من 360 زاوية، وبين كل زاوية وأخرى زوايا لا نهائية".
"نعم، زوايا لا نهائية، دون، ولكن ما دخل ذلك بالعقل؟".
 قال: "كل زاوية طريقة نظر إلى الدنيا وإلى الحياة، تعلم من هذه الخشبة أن ترى دائرياً، ب 360 درجة، أقعد في الفراغ الذي في الوسط، وانظر دائرياً، وابق قاعداً في الفراغ".
واختفى ثانية في العتم والمطر، لينام في الشارع ..


كل الذي حدث معي .. أن النبوءة قد تحققت فعلاً .. فقد شاهدت إنساناً يعيش في الفراغ !
نعم .. رأيت أحدهم وهو ينظر إلى الدنيا ب 360 درجة ! :) 





آه .. قبل أن أختم .. 
فيما يتعلق ب رقم (24) .. الذي أصبح يرافقني اليوم .. 
في الحقيقة دائماً ما كنت أشعر بأنني أجري وراء عمري .. ولم أشعر يوماً بأنني أسير إلى جانبه .. لا شكلاً ولا مضموناً .. 
هذا الرقم لا يمثلني ولن يمثلني يوماَ .. 
أحب أن أقف عند يوم ميلادي.. وأعتبره محطة وسط هذا النهر المتدفق .. لأنه يذكرني بنفخة الله داخلي .. بأحلامي .. بذكرياتي..
أما فكرة الأرقام فكلها وهم .. 
صنم آخر من أصنام المجتمع يقاس عليه الكثير من الأمور .. وكل ذلك زيف ..
وأرى بأن الرسول -عليه السلام- حطم هذا الوهم أكثر من مرة في حياته ولم يجعل له اعتباراً أو قيمة .. 
وقد نصب أسامة بن زيد أميراً على الجيش وهو لم يبلغ العشرين .. ولم يجعل للعمر الزمني لدخول أبي ذر في الإسلام اعتباراً عندما طلب منه أن يستلم الإمارة ورفض طلبه.. 

أنا أؤمن فقط بكلمات د.همام يحيى .. هي دستوي ومرجعي ومذهبي ..

"الزمن فكرة مرعبة، نخفف من رعبها بالأسماء والتواريخ والمناسبات .. تخيل أيام الأسبوع بلا أسماء، فلا شيء في "الأحد" مختلف فعلاً عن "الإثنين" .. سيعني هذا أنه لا أسبوع أصلاً .. 

وتخيل أنه لا أسماء للشهور .. لن يكون هناك بالتالي سنوات .. سنسبح في نهر صامت من الوقت، سأنسى أنني كائن ممتد من سنة ما إلى سنة ما، سأكف عن النظر إلى نفسي كخط امتد من نقطة إلى نقطة على خط لا نهائي من الزمن .. 

سيصبح الزمن الوحيد هو زمني .. (حبي وخوفي وإيماني وشكي وأصدقائي وسعادتي وحزني وكتبي) .. لن يعود ثمة حيز خارجي عني اسمه الزمن .. سأصبح أنا زمني و زمني أنا .. وستصبح أنت زمنك وزمنك أنت .. وسيصبح زمننا المشترك ما حصل بيننا .. 

سأقول إني أعرفك منذ حب و ثلاثين كتاباً و بيتين و ضحكات لا تعد و خمس دمعات مسحتَ ثلاثاً منها و استحت منك اثنتان فعادتا إلى عيني" .. 

أختلف معه فقط في الشق الأخير فدمعاتي عادة لا تستحي وتنهال كلها :) 





كل القادم سيكون أعظم .. أجمل .. أنقى ..
يا رب ساعدني على إفراغ ذهني من مسلماتهم واملؤه بنورك .. 
يا رحمن أنقذني بحبلك الممدود من شخصانيتي إلى رسالتك .. ومن ظلمتي إلى هداك .. 
يا عظيم أزل بقايا الضباب وارزقني شرف السير بالطريق مع من تحبهم وترضاهم ..
يا واسع .. ارزقني سعة في العقل والقلب والروح .. 
اجعلني أرى ب 360 درجة :) .. يا رب ..  

يا رب .. اصنعنا على عينك .. 
نحن لك .. استعملنا ولا تستبدلنا 

1-5-2013 








من ذكريات أكاديمية إعداد القادة (5) .. الجزء الأول

(1) ضريبة الأحلام قاسية!



هناك حكمة آلائية لا أتردد بالبوح بها كلما سمحت لي الفرصة .. تقول الحكمة (الناس يرون النجاح عادة .. ولكن لا أحد يعلم ما يحدث وراء الكواليس!).

الأكاديمية كانت حلماً راودني منذ ما يقارب الثلاث سنوات.. أذكر بأن حلقاتها القديمة كانت تبث على قناة الرسالة في وقت متأخر من الليل (كإعادة) .. فإذا جافاني النوم.. قمت لأتابعها.. وأذكر بأنني في إحدى الأمسيات بكيبت كثيراً ودعوت الله أن  يجمعني بهؤلاء الشباب يوماً ما...

وبتشجيع من الكثيرين على رأسهم الغالية ميساء أبو هلال وأستاذي الفاضل أيمن .. قمت بالتقديم لها في عام 2011، بعد محاولات كثيرة لإقناع أبي بالسفر، وبعد إقناعه .. جاء الرفض من الأكاديمية نفسها.. بسبب اكتمال عدد الوفد الفلسطيني! ..

جاء عام 2012.. وأعدت المحاولة من جديد .. وقبل (يوم مولدي) بيوم واحد فقط، جاءت الموافقة.. بعد أن عشت على أعصابي لأكثر من شهر.. أذكر بأنني يومها عدت من عملي وأنا أكاد أحلق من الفرح والسعادة..

ولكن هل أنتهت القصة هنا.. للأسف (لا) !

بعد ذلك بما يقارب الشهر ألغيت كل منح الوفد السوداني والفلسطيني بسبب مشاكل عند الداعمين أنفسهم .. وقد كان ذلك اليوم من أقسى الأيام في حياتي ..فأصعب شيء أن ترى حلم من أحلامك يتلاشى أمامك..
لم أفقد الأمل ..كنا ندعو كثيراً أنا والأصدقاء.. وفي تلك الفترة شعرت بانتماء شديد لإخوتي وأخواتي في الأكاديمية والذين وقفوا بجانبنا أجمل وقفة وساندونا معنوياً لأبعد الحدود..

وفي يوم 1-8-2012 جاء الفرج.. وعادت المنح من جديد.. وكنت أتمنى أن ينتهي الأمر هنا.. ولكن طريق الأحلام صعب .. لذلك قلة هم من يكملون المشوار حتى النهاية ..

 يوم السفر وقبل دخول الطائرة بلحظات.. انتبهنا على أننا من السرعة أحضرنا جواز سفري القديم بدل الجديد !.. ولسوء الحظ ألغيت رحلة الطيران.. ولولا لطف الله لألغيت رحلة الأكاديمية بالكامل.. ولكن الله سلم في آخر لحظات ووجدت حجزاً جديداً .. ولكم أن تتخيلوا كيف كان شعوري في ذلك اليوم : )

كل هذه السطور الآن.. لم تعد تهمني يا أصدقاء .. فأن تعيش الحلم .. يعني أن تنسى كل الصعاب التي حدثت قبله.. وكيف نعيش بدون أحلام ؟

يعلم الله كم جددت نيتي حتى استحقت روحي تلك المغامرة الجميلة.. وقد كتبت كل هذا.. لأقول لكم:

 (طريق الأحلام يحترم فقط من يناضل من أجله.. لا تعتقدوا بأن من يحقق وينجز أهدافه ..قد سار يوماً على طريق مزركش بالورود)..

من يرد الراحة والسلامة .. فهناك طريق أسهل من هذا بكثير .. ولكن بالنهاية مصير ذلك الطريق معروف !

كونوا عظماء .. وإياكم أن تتنازلوا عن أحلامكم..
 فكم من الأشخاص استسلموا .. قبل أن يصلوا القمة بدقائق معدودة !



(2) المطار لوحده مدرسة! 




سأبدأ القصة من الصفحة القبل الأخيرة :)
 صفحة العودة إلى البلاد ..

بحق .. كنت أشعر بتوتر طبيعي.. لأنها كانت التجربة الأولى لي للقيام بإجراءات العودة.. والرحيل من مطار الأراضي التركية إلى مطار اللد ..

ولكن الحياة بالنهاية مغامرة .. هذا ما كنت أقوله لنفسي ..

المطار هو مكان مصغر ترى من خلاله الإنسانية .. على يمينك صيني .. وعلى يسارك أمريكي .. وأمامك يجلس مشرد مع زوجته .. هو يطالع كتاباً وهي تنام بقربه بكل هدوء وطمأنينة .. حاولت أن ألتقط لهما صورة .. ولكني ترددت :) وفي الخلف يقف العشرات بانتظار دورهم لإنهاء المعاملات ..

المشكلة الأساسية عند الشعب التركي عدم اتقانه للإنجليزية .. لذلك ستستخدم لغة الإشارة كثيراً .. وستتورط أحياناً بأن تكتفي بهز رأسك دون أن تفهم شيئاً ..

من أكثر المواقف التي أثارت مشاعري هناك .. قيام أحدهم بحمل حقيبتي الثقيلة ووضعها على ماكنة التفتيش .. بعد أن رأى عدم تمكني من ذلك .. شخص لا ينتمي لديني ولا لبلدي .. ولكن ما جمعني به هو (إنسانيتنا) فقط .. هنا تقول (يا الله) .. فالبشرية هي ما يوحدنا جميعاً ..
وسنة الاختلاف نعمة .. لا يفهمها إلا قلة .. وفي المطار دروس كثيرة ستعلمك تلك المعاني ..

من أجمل ما حدث معي هناك .. أنني التقيت بالعم أبو حميد .. رجل فيه من ملامح وروح والدي .. كنت أقف أمام اللوحة الكبيرة التي تظهر عليها أرقام البوابات التي تقود إلى الطائرة .. والتوتر يعود ليملأ روحي من جديد ..
وفجأة سمعت أحدهم يتحدث العربية .. طبعاً التفت بكل جوارحي .. فهناك العربية ستعني لك الكثير :) .. كان العم أبو حميد .. يسلم على أشخاص بجانبي .. ومن ثم سألني من أين أنت يا ابنتي .. فقلت القدس !!
 فجاء الفرج ..
 بركتك يا قدس .. :)

هو رجل من نابلس .. خرج منها في ال1967 .. ولم يعد بعدها .. تاجر من تجار الأردن .. ذهب الى الكثير من بلاد العالم .. حدثني عن مدرسة السفر.. عن الصين .. وعن جولاته التي علمته الكثير..
 أصر على إحضار العصير والكعك لي .. وقال لي (بس أرجع القدس بتغدى عندكم :) ) ..
 كانت روحه جميلة جداً .. حدث والدي من هناك .. وقال له .. آلاء جدعة وعن 10 شباب ..
وأوصلني الطائرة .. بعد حديث عن الدولة المدنية والدولة الدينية ..

وقبل لحظات الإقلاع عدت أتذوق معاني وجمالية الاختلاف من جديد .. ثم تذكرت بأنني لم أقرأ كلمات أخي الدكتور عدنان عوض .. وقد كان آخر من كتب لي من الزملاء على دفتر الأكاديمية ..

كانت الكلمات تقول:

 (خلقنا في الكون لتوفير (معنى) لحياتنا .. وما بين الإيجاد (وتحقيق المعنى) رحلة طويلة .. هي معادلة بسيطة آلاء .. بسيطة لمن يعييها.. من يعييها ويدرك ما يترتب على هذا الوعي من قرارات) .. 

بقيت أتأمل تلك الكلمات العميقة وأنظر إلى ملامح الناس في المطار .. حتى جاء موعد الدخول إلى الطائرة ..

بصراحة .. السفر بالطائرة لم يرق لي أبداً .. ما عدا لحظات الهبوط :) (أكشن)

قضيت معظم وقتي أغوص في نوم عميق .. وأحلم بكل الذكريات التي عشتها خلال أسبوعين مع أجمل أرواح .. وأروع قلوب ..

ثم جاءت اللحظة التي ضمني بها والدي .. وغسلت نسمات وطني الحبيب تفاصيل روحي..
 لتكتب آخر أسطر من ذكريات هذه الرحلة العظيمة ..



(3) رحلتي تلخصت بهم ..



وأجلس مع نفسي لأسألها عن أكثر شيء استفادت منه في هذه المغامرة الجميلة ..

هل هي المحاضرات؟ .. هل هي تجربة السفر بذاتها ؟ هل هي تركيا الرائعة وما تحويه من كنوز؟ هل هي مقابلة الأساتذة الأفاضل أمثال د.طارق سويدان .. وأ.بثينة الابراهيم .. وأ.مثنى الكردستاني .. ود.عصام البشير.. وأ.هاني المنيعي.. والمنشد المميز حمود الخضر؟

فأجد أن كل هذا رائع وجميل.. ولكن بحق كانت الإجابة مختلفة عن كل ما ذكر!!

أكثر ما أثر بي بعمق .. هو جلوسي بين أبناء وبنات أمتي لأسبوعين من الزمان ..

يااااه كم شعرت بالألم الذي سببه وصنعه الاستعمار يا أصدقاء .. كيف حرمنا من بعضنا البعض كل هذه السنين..

عندما تجد نفسك محاطاً بشباب أمتك من تونس والجزائر وليبيا ومصر والمغرب والسودان والسعودية ولبنان وعُمان وسوريا والعراق واليمن و و .. ستدرك ما أقوله الآن ..

وهل سأنسى حديث وعد وبلال وعياظ عن ثورة تونس .. هل سأنسى بريق عيني وعد؟ وإصرار بلال على التغيّر؟ وثقافة واطلاع عياظ على الأحداث في تونس ؟

هل سأنسى ما قالته لي رجاء وأكده عبد الباري عن ليبيا ؟

هل سأنسى لهجة مريم الغربي من المغرب وتهلل وجهها عندما قلت لها ستدخلون القدس من باب المغاربة يا مريم؟

كيف سأنسى كلمات عامر عن تجربته في سوريا في أسوء ظروفها؟

وكيف ستغيب عن ناظري صورة منة الله وسارة وأميرة من مصر وهن يحدثنني عن تجربتهن في ميدان التحرير بخفة دم الشعب المصري الرائع؟ كيف سأنسى عمق أفكارهن التي تنبئ بشباب جديد .. سينقل هذه الأمة نقلة نوعية وراقية؟

وكيف سأنسى نهلة - صديقتي من مصر- وهي تحكي لي عن تجربة الألترس وتبكي.. وتقول :سامحوني يا ألترس لم أكن أعرفكم من قبل .. ثم تضحك وتحكي لي كيف كانت قبل يوم خطبتها في ميدان التحرير .. لتجد خطيبها هناك أيضاً : ) ..

وهل ستنسى الذاكرة .. كلمات الوفد السوداني .. د.عدنان .. ود.مصطفى .. اسلام .. وصفاء .. وهم يحدثوني عن تجربة مشروع النهضة في السودان وتمكنهم من تدريب ما يزد عن 1000 شاب وشابة على حزم النهضة الأربعة .. لدرجة أنني كنت أتمنى أن أطير في وقتها إلى بلادي لأصنع شيئاً مشابهاً مع شباب بلدي..

سنا الغالية .. كيف سأنسى وجعها وهي تتكلم عن سوريا الحبيبة .. وكيف سأنسى رقي الوفد الجزائري المتعلم والمثقف.. وكيف ستغيب روح سكينة .. وهي تجلس بجانبي وتخبرني عن واقع جدة .. وتقول: نفسي أغيّر يا آلاء .. نفسي أغيّر ..

أما وجه ميساء فقد طبع في عقلي وقلبي معاً .. حنين الفلسطيني إلى بلاده .. عشته مع ميساء لأسبوعين..
 تلك النقية التي عادت إلى غرفتنا يوماً بعد أن شاهدت فلماً عن الرسول -عليه السلام- لتضع رأسها في حضني أكثر من ربع ساعة .. وهي تبكي وتقول : إحنا بعاد يا آلاء .. إحنا بعاد كتيير ..

وابتسامة أمجد وهو يحدثني عن واقع غزة .. ابتسامة أشعرتني برغبة جامحة في البكاء .. قلبي لحظتها كان يتقطع على بلدي الحبيب .. ولكن طموح أمجد .. جعلني أقاوم كل دمعة وأزرع مكانها شيئاً من إرادته وعزيمته..

وكلمات ربا وهي تخبرنا عن انتقالها إلى الكثير من البلاد رسمت في روحي ألماً لن يبرأ إلى بتحرير الإنسان في كل بلد عربية..

مئات القصص التي لا وسع لها هنا أصبحت جزءاً من كياني..
 حتى بت أشعر بأني أصبحت مختلفة بعد تلك الرحلة .. مختلفة بحق ..
فقد ذهبت بروح واحدة .. وعدت بأكثر من 100 روح..
 ذهبت برواية واحدة .. وعدت بأكثر من مئة رواية ..
كلها تنسج معاً واقع عالمنا العربي المؤلم..ولهفة شبابه إلى التغيّر..

كلها تنبئ بحقيقة أصبحت تتجلى بالأفق..

 هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
 هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
 هناك جيل قادم .. مختلف عن كل الأجيال التي سبقته..
 جيل سيحفر بالصخر.. من أجل أن نعود!!


تكتبها لكم
آلاء سامي
13-9-2012


هؤلاء النسوة .. تركن في العالم بصمة (2)..

بعد أن كتبت الجزء الأول من (هؤلاء النسوة .. تركن في العالم بصمة)،  تشجعت لأكمل رحلة البحث :)
وبالفعل غصت بين صفحات الكتب بحثاً عن نماذج جديدة أرى فيها نفسي وبنات الإسلام!


أما عن النتائج فقد أذهلتني حقاً .. لدرجة أنني عدت لأسأل نفسي أين نساء اليوم من تلك النماذج الرائعة؟
ولماذا تم تحجيم المرأة المسلمة إلى هذا الحد مع أن أمهاتها وجداتها أبدعن في كل مجالات الحياة وتركن بصمة رائعة أدت لسمو وتقدم هذا العالم!


دعوني أخبركم عن بعض النماذج الرائعة .. والتي أتمنى أن تلحق نساء اليوم بطريقهن وتنتهج نهجهن !!



فاطمة السمرقندي (عالمة فاضلة ونموذج نسائي رائع ! ) 




 من النساء الرائعات التي وقفت على سيرتها كثيراً ..
تلك العالمة الفاضلة التي عاصرت السلطان نور الدين زنكي لم تكن امرأة عادية !

بل كانت عالمة فاضلة وفقيهة ومحدثة ذات خط جميل. أخذت العلم عن جملة من الفقهاء وأخذ عنها كثيرون وتصدرت للتدريس وألفت مؤلفات عديدة في الفقه والحديث. 


حتى أن السلطان نور الدين كان يستشيرها في بعض الأمور الداخلية وكان يسألها في بعض المسائل الفقهية..

 كانت فاطمة هذه من حسان نساء عصرها .. خطبها السلاطين والملوك فامتنع والدها عليهم إلا أن تقدم لها الكسائي فزوجها له .. 

والكسائي هذا هو أحد الذين لزموا والدها و برع في علوم الأصول والفروع (وشروح كتابه -التحفة- في مصنف أسماء البدائع .. ) فعرضه على شيخه فازداد فرحاً به وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك!


قال ابن عديم: "حكى والدي أنها كانت تنقل المذهب نقلاً جيداً، وكان زوجها الكسائي ربما يهم في الفتيا فترده إلى الصواب وتعرفه وجه الحطأ فيرجع إلى قولها.. وقال : كانت تفتي وكان زوجها يحترمها ويكرمها وكانت الفتوى أولاً يخرج عليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت الكسائي صارت الفتوى تخرج بخط الثلاثة ..".

العالمة الفاضلة (عفيفة بنت أحمد الفارفانية)



تلك المرأة المميزة درست بأصبهان على الشيخة (فاطمة الجوزدانية) ولكنها لم تكتفي بذلك ! ..

بل درست بعد هذا على جماعة كبيرة من العلماء وحصلت على إجازات عالية من أصبهان وبغداد حتى وصل عدد الشيوخ والعلماء الذين درست عليهم أكثر من (خمس مائة ) !!

ثم جلست للتدريس وخرّجت كبار العلماء حتى وفاتها 606 هجري..




ست الشام خاتون و ربيعة خاتون (رؤية عظيمة وعمل عظيم)




الجميع يعرف إنجازات (صلاح الدين الأيوبي ) ولكن من منكم يعرف الإنجازات العظيمة التي قامت بها أختاه (ست الشام زمرد خاتون) و( ربيعة خاتون بنت أيوب) ؟

أما ست الشام (والتي سأطلق عليها لقب أم المشاريع :) ) فقد تزوجت من ابن عمها ناصر الدين شيركوه ومضت تساهم في جهادها العام فبنت مدرستين الأولى عرفت باسمها والثانية باسم (الحسامية) نسبة إلى ولدها حسام الذي استشهد باحد المعارك..

كذلك أقامت مصنعاً للأدوية وصيدلية كبيرة تزود مستشفيات الجيش الصلاحي بالعلاج والدواء اللازم لجرحى الجهاد.. ويعمل في دارها من الأشربة والمعاجين والعقاقير في كل سنة بألوف من الدنانير تفرقها على الناس! وكان بابها ملجأ للقاصدين ومفزعاً للمكروبين ووقفت على المدرستين أوقافاً كثيرة ..

يصف سبط ابن الجوزي جهودها قائلاً: "كانت سيدة الخواتين عاقلة .. كثيرة البر والصلات والإحسان والصدقات" ..

والمتأمل بسيرة هذه العظيمة يرى عقلية نادرة .. قادرة على تحديد احتياجات العصر ومتطلباته .. (مدرسة .. مصنع .. صيدلية).. 


أما ربيعة خاتون فقد تزوجت من مظفر الدين صاحب الجهاد العظيم في معركة حطين وقد قامت ببناء مدرسة في دمشق عرفت باسمها وأوقفتها على الحنابلة ..


احفظوا هذه الاسم جيداً .. فهو تستحق أن تخلد!
................


تكتبها لكم
آلاء سامي


المرجع: كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس - د.ماجد الكيلاني


اقرأ ايضاً : 
هؤلاء النسوة تركن في العالم بصمة (1)


خواطر مسائية !


عالم الأفكار ... أرحم !




اتباع عالم الأفكار .. أرحم بكثير من اتباع عالم الأشخاص ..
الفكرة الجيدة تتبع .. والسيئة تنتقد ويأتي العقل البشري بالأفضل منها .. 
الأمر منهك .. ولكنه ممكن..
بينما اتباع الأشخاص .. قد يشعرك بالإحباط لارتباطه بعالم المشاعر .. وهذا ما نلاحظه عندما نصاب بخيبات الأمل من المفكر الفلاني أو الداعية الفلاني أو العالم الفلاني !

لأننا نرسم صورة ملائكية للشخص ..
ونكون بذلك أول من يظلمه .. لأنه بالنهاية بشر !!


لذلك.. أتمنى أن ألزم نفسي دائماً بأن اكون من أتباع عالم الأفكار -مع صعوبة ذلك- وأخشى بل وترتعد مفاصلي من يوم .. أجد فيه شخصاً ما على هذه الكرة الأرضية يتبع ما أقوله لشخصي لا لأجل الفكرة نفسها ! 


كتبت يوم : السبت 7 إبريل 2012 - 15 جمادى أولى 1433

.........


الحكيم يعلمني كلمات !




لا زالت كلماته لا تفارق مسمعي .. ولا زلت أقول ما قاله يوماً ..
سألته ذات مرة.. ماذا كنت تفعل أيها الرجل الصالح عندما كانت الدنيا تشتد عليك وتغلق أمامك أبوابها ؟ 

نظر إلي بنظرات ثابتة وقال والابتسامة تزين وجهه الناصع بالتقوى والثقة : " كنت أسجد وأقول .. يا رب دبرني"

ومن يومها وأنا أسجد ... وأقول:

يا رب دبرني ! ..



كتبت يوم : الأحد 8 إبريل 2012 -16 جمادى أولى 1433

.........


زاد المصلح وغذاؤه الروحي ..!




قبل أن يبشر الله السيدة مريم بعيسى -عليهما السلام- وقبل أن تبدأ مهمتها الصعبة بتربية نبي الله ومواجهة القوم وتحمل كل الآلام قال لها:

"يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ"..


وقبل أن يبدأ الرسول عليه السلام رحلته الشاقة في نشر تعاليم الإسلام وإعمار الأرض وبعث رسائل النور والهدى للبشرية قال الله تعالى له :

"يا أيها المزمل* قم الليل إلا قليلاً* نصفه أو انقص منه قليلاً* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً* إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ".



ولنا هنا وقفة !


كتبت يوم : الثلاثاء : 10 إبريل 2012 -19 جمادى أولى 1433

.........

الشبيه يجذب شبيه !





قم بكتابة مواصفات شريك حياتك ... ثم ابدأ (أنت نفسك) بتطبيقها ...

فإذا كتبت الرقي .. فكن (أنت) راقياً ..

وإذا كتبت الصدق .. فكن (أنت) صادقاً ..
وإذا كتبت الثقافة .. فكن (أنت) مثقفاً .. 
وإذا كتبت الحب .. فكن (أنت) محباً .. 
وإذا كتبت الإنسانية .. فكن (أنت) إنساناً .. 


فخديجة لم ترتبط بمحمد -عليه السلام- مصادفة وهو لم يرتبط بها من محض الصدفة أيضاً!


كتبت يوم : الجمعة 13 إبريل 2012 - 21 جمادى أولى 1433

إبحث في بريق شمس



Leave the world a little better than you found , take no more than you need , try not to harm life or environment...

مدونة بريق شمس. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
  • التاريخ خارطة البشرية التي تثرثر كثيراً عن أولئك الذين صنعوه ... ولا يمكن أن نتجاهل أبداً تلك الوجوه التي نحتت على الصخر صورها بينما كان البقية يتأملون وجوههم على صفحة الماء ! .. علا باوزير


    التدوين : هو أن تنظر إلى حدث عادي بنظرة غير عادية فتصنع منه حدثاً غير عادياً

    قال تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
  • مدونة لكل شباب النهضة ... لكل الشباب الذين قرروا أن يكونوا متميزين بدينهم وعلمهم وإبداعاتهم
    كل التحية والاحترام لكم
    آلاء سامي

حياتي كلها مهر لأمتي

حياتي كلها مهر لأمتي

إهداء من الصديقة نادية درويش

إهداء من الصديقة نادية درويش
:) من على متن الكتاب .. ومن أمام الشمس

يقظة فكر - معانقة الفكر مع الفن -

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع

" هدية من فريقي المميز "عائلة إبداع
نرى ما لا يراه الآخرون

إعلام ينبض شباباً

إعلام ينبض شباباً
شارك لننقل الإعلام نقلة جديدة تمثلنا

أكاديمية إعداد القادة ... خطوة للأمام

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود

" أبي الروحي " د.مصطفى محمود
كلمات هذا الرجل تدهشني

! قلمي يكتب هنا أيضاً

! قلمي يكتب هنا أيضاً
.أول مجلة تكنولوجية تصدر بالعربية في فلسطين

Facebook مدونتي على موقع ال


المتابعون

... إقرأ أيضاً

..بقلم

صورتي
اللهم إجعلني من مُجددات الأمة ... اللهم واجعل كلماتي تصل إلى الآفاق ~

عدد المشاهدات

أرشيف المدونة